الاطار الرقمي السعودي – (1) الاستراتيجية

يمكن تعريف الاستراتيجية بشكل مبسط أنها مستند يعمل كبوصلة او “نجم الشمال” لعمل معين، متفق عليه من قبل أفراد المنظمة نحو توحيد الجهود باتجاه واضح، وتتفاوت تعقيدات الاستراتيجية باختلاف حجم وتعقيد المنظومة، لنتحدث عن بعض النقاط المتعلقة بالاستراتيجيات:

  • غالبا هناك استراتيجية عامة للمنظمة، توضح اهدافها وطموحها لفترة محددة، تتراوح بين سنة الى عشر سنوات او اكثر، تختلف هذه المدة باختلاف المنظومة وطبيعتها، وتخضع الاستراتيجية العامة للمراجعة والتعديل خلال فترات اقصر.
  • من المهم لكل العاملين في المنظومة الاطلاع والالمام باستراتيجية المنظمة العامة، هذا يخلق شعورا بالانتماء والمعرفة بالتوجه العام والاهداف.
  • النزول لمستوى أقل يخلق استراتيجيات مخصصة، على سبيل المثال يجب على العاملين في مجال اتصالات التسويق ان يكون لهم استراتيجية خاصة مستنبطة من الاستراتيجية الأم للمنظومة، لخدمة اهدافها الرئيسية من خلال تمحور كافة نشاطات التسويق نحو تحقيق اهداف المنظمة الكبرى، بناء هذه الاستراتيجية هي من مسؤولية رأس الهرم في التسويق، والتأكد من فهمها من قبل كافة أفراد الفريق العامل في هذا المجال، من شأن هذا العمل أن يخلق جوا مريحا نحو تجنب العمل العشوائي والاعتماد بالكامل على العمل المؤسسي.
  • يرتبط العمل مع الاستراتيجيات بشعور عميق ان هذا عمل معقد وهو تصور خاطيء، تعقيد الاستراتيجية يعتمد على تعقيد المنظومة ونشاطها ولكن يمكن دائما البدء باستراتيجيات مبسطة، وهو ما انصح به دائما ان تكون استراتيجية المنظومة مناسبة لحجمها وتعقيدها، بشكل شخصي افضل الا تتجاوز استراتيجية التسويق او التسويق الرقمي عدة صفحات فقط عند البدء بها وتتطور مع الوقت بحسب الاحتياج.
  • بالحديث عن استراتيجيات التسويق او التسويق الرقمي، هناك 3 أشخاص من المهم ان يكونوا ملمين بها بشكل كبير:
    • رؤساء التسويق في المنظمات الكبرى.
    • مؤسسو الشركات الناشئة.
    • العاملون في مجال التسويق أيا كانت مستوياتهم.
  • دائما من الجيد أن تكون الاستراتيجية حاضرة بشكل (واقعي)، وقد أكون مبالغا اذا أشرت على الكثيرين ان تكون الاستراتيجية مطبوعة ومعلقة بجانب شاشة كل موظف عامل في التسويق لتكون جزءا من نشاطهم اليومي ودليلا استرشاديا يمكن الرجوع له قبل البدء في اي نشاط.
  • لست من هواة الاستراتيجيات المطولة خصوصا في مجال التسويق الرقمي لأنها صناعة متغيرة وديناميكية بشكل متسارع، لذا استخدم هذا القالب دائما لبناء اي استراتيجية تسويق/تسويق رقمي، يمكن تعديلها وتعميمها بشكل سريع، وهذه نصيحتي ايضا لمؤسسي الشركات الناشئة لمزيد من المرونة في المراجعة والتعديل لنشاطاتهم التسويقية بشكل مؤثر، يمكنك تحميل القالب من هنا.

الاطار الرقمي السعودي – (4) الاعلانات المدفوعة (Awareness)

هذه السلسلة تأتيكم بالتعاون مع مبادرة العطاء الرقمي – مبادرة تخصصية غير ربحية برعاية وزارة الإتصالات وتقنية المعلومات، تهدف إلى نشر الوعي الرقمي بين جميع أفراد المجتمع.

يعد مجال الاعلانات المدفوعة أحد أقل المجالات في سلسلة التسويق الرقمي من حيث اهتمام السعوديين بتعلمها والعمل فيها، رغم أنها مجال خصب وبيئة واعدة للغاية، ولا أجد تفسيرا لهذا العزوف سوى عدم الرغبة في العمل لدى الوكالات العالمية التي تشغّل أكثر ميزانيات التسويق الرقمي في سوقنا، لكني أجزم أنها أحد الفرص الكبرى والمهمة للعاملين في هذا المجال.

قبل أن نبدأ الحديث عن الاعلانات المدفوعة، يجب أن نفرّق بين نوعين من الاعلانات:

  • الاعلانات المدفوعة لرفع الوعي – Awareness/Branding
  • الاعلانات المدفوعة لتحقيق هدف معين Conversion/Performance

والفرق بين الاثنين واضح وجلي ولكن أهدافهم مختلفة للغاية، وقبل أن نتطرق الى الفروقات دعونا نلقي نظرة على مسار الرسائل التسويقية الثلاث أو الأربع في بعض الدراسات(وأكثر من ذلك في دراسات اخرى لكن لنرتكز على الاساسيات هنا):

  1. الوعي Awareness: وهو محور حديثنا لهذه التدوينة، وهي أول مراحل الرسالة التسويقية الموجهة للمستخدم او العميل، والهدف منها هو اعلامه بوجود علامة تجارية، خدمة، منتج، معين، وينتهي دور الرسالة هنا دائما، ولا نطلب من المتلقي القيام بأي تصرف كالشراء او الاشتراك او تعبئة نموذج، وانما نكتفي بأن يبلغ علمه ان هناك شيء معين بهذا الاسم، يقوم بهذا الهدف، مثل ان تكون شركة البان جديدة، او منتج جديد من وزارة معينة، لكننا لا نشرح او نسوق لهذا المنتج او الخدمة، وانما نكتفي بتسجيل حضورنا في ذهن المتلقي.
  2. الاهتمام Consideration: وهي المرحلة الثانية من الرسائل التسويقية وفيها نتقدم خطوة الى الامام بايضاح مميزات المنتج او الخدمة لكي نكون خيار المتلقي الاول عند حاجته لهذا الصنف من المنتجات او عند الاحتياج الى هذه الخدمة.
  3. التحول Conversion: وتكون الرسالة التسويقية في هذه المرحلة بغرض البيع او الاشتراك او التسجيل او تحميل تطبيق، بمعنى أننا نحدد طلبا واضحا نرجو ان يقوم المتلقي بتنفيذه.
  4. الولاء والتأييد Loyalty & Advocacy: وفي هذه المرحلة تكون الرسالة التسويقية هي للاهتمام بالعملاء الحاليين وتعزيز انتمائهم لهذا المنتج او تلك الشركة وتحفيزهم ليكونوا سفراء للمنظومة او العلامة التجارية.

الملخص اعلاه هو أساس تسلسل الرسائل التسويقية في أي حملة، وحديثنا اليوم سيكون مركزا على المرحلة الاولى فقط وهي رفع الوعي، كثيرا ما تخطيء بعض الشركات غير المعروفة ببدء حملة تسويقية عبر القفز الى المرحلة الثانية، وتدخل في منافسة سعرية على سبيل المثال دون ان تكون معروفة لدى المتلقي، وما يحدث غالبا في مثل هذه الحالة هو ان الشخص قد يشتري هذه المرة لكنها ستكون المرة الوحيدة، لأن دافعه للشراء من هذا المنتج كان سعريا بالدرجة الاولى ولكن الشركة لم تبن سمعة لها في ذهن المتلقي، والاتجاه الصحيح دائما يكون نحو بناء الصورة الذهنية اولا لدى المستهلكين ومن ثم الانتقال الى المرحلة التالية.

هل هذا الكلام يعني ان الشركات المعروفة لا تحتاج الى مرحلة بناء الوعي؟ لا، على النقيض، لا بد ان تعزز الشركات مركزها في ذهن المتلقي دائما عبر حملات تسويقية هدفها التواجد وبناء الصورة الذهنية دون التطرق الى منتجات او خدمات، وغيابها عن هذا المجال يفسح الطريق نحو المنافسين لاحتلال مكانها في ذهن المتلقي، وهو ما نراه دارجا في الرسائل غير التسويقية التي تقوم بها الشركات والمنظمات في رمضان والاعياد واليوم الوطني وخلافها من المناسبات الاجتماعية.

الان وبعد تأسيس فهم عام لأهمية رفع الوعي في الرسالة التسويقية على القنوات المملوكة للمنظمة كالموقع الالكتروني والتطبيق والشبكات الاجتماعية، يأتي دور الاعلانات المدفوعة نحو الوصول الى شرائح أكبر قد لا تكون متاحة لنا في القنوات المملوكة، عبر الاعلان المدفوع في المنصات الاربعة: (محركات البحث – الشبكات الاجتماعية – مواقع بث الفيديو – الاعلانات المرئية Display Banners)، والاعلان من خلال هذه المنصات له أدوات قياس متعددة لكن في مرحلة رفع الوعي او Awareness يكون الهدف دائما هو الوصول او Reach بمعنى كم شخصا استطعنا ايصال رسالتنا التسويقية له، ولأننا لا نرغب ان يقوم المتلقي بالقيام بأي تصرف فإننا نهتم بعدد مرات الظهور وتكون أداة القياس غالبا هي CPM = Cost Per Mile او تكلفة الظهور لألف مرة، ومن الجدير بالذكر هنا الاشارة الى أهمية التركيز على موضوع تقييد عدد مرات الظهور للشخص الواحد، بمعنى أن لا يظهر اعلاننا للشخص الواحد اكثر من 3 مرات اسبوعيا على اختلاف المنصات او ما يسمى بالـ Capping وله فائدتين رئيسيتين:

  1. تجنب الظهور بمظهر المعلن السيء الذي يظهر بكثرة.
  2. زيادة الكفاءة الاعلانية بالوصول الى عدد اكبر بعد تقييد عدد مرات الظهور للمستخدم الواحد.

يمكن اعتبار الاعلان عن طريق الفيديو ايضا احد طرق رفع الوعي عبر الاعلانات المدفوعة ايضا ويتم احتسابها بطرق مختلفة بحسب المنصة، وتسمى “التكلفة لكل مشاهدة” او CPV = Cost Per View ورغم أنها قد تكون احد طرق اعلانات المرحلة الثالثة وهي التحول إلا أنني أميل الى ان تكون ضمن مرحلة رفع الوعي بدرجة أكبر.

ختاما، الاعلان عبر المشاهير رغم أنه يستخدم احيانا لايصال رسالة تسويقية تتعلق بطلب الشراء او تحميل تطبيق وهو ما يصنف ضمن مرحلة التحول او Conversion باستخدام تكتيكات مثل Tagging or Attribution الا أن فاعليته الكبرى تكون غالبا في رفع الوعي بسبب الوصول الهائل للمشاهير، لكن يتفاوت المعلنون في طريقة تعاملهم مع هذا النوع من الاعلانات.

الاطار الرقمي السعودي – (3) إدارة القنوات الرقمية

قبل البدء:

استكمالا للتدوينات السابقة حول “الاطار الرقمي السعودي”، هذه التدوينة الأولى لي بعد انضمامي لمبادرة العطاء الرقمي والتي تهدف إلى نشر الوعي الرقمي ومحو الأمية الرقمية بين أفراد المجتمع، سعيد جدا لتكون جهودي المتواضعة نحو نشر ثقافة وفهم الإطار الرقمي السعودي تحت مظلة هذه المبادرة، وأتمنى أن أساهم ولو بشكل بسيط نحو تحقيق أهداف هذه المبادرة الوطنية.

قد يبدو مجال ‘درة القنوات الرقمية هو أسهل المجالات للدخول الى عالم التسويق الرقمي، وهو كذلك بلا شك لسببين رئيسيين:

  • يمكن تعلم مهاراته بسرعة.
  • أنه مجال متعلق بالثقافة العامة لذا يصعب العمل فيه لشخص من خارج المجتمع.

لكن لا بد من الاشارة إلى أن هذا المجال هو خط التواصل الأول مع الجمهور، لذا فالعمل فيه يتطلب مهارات خاصة تمكّن الشخص من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وأشدّد على موضوع الوقت لأن البطء في اتخاذ القرار يفضي غالبا الى مشاكل أكبر، لنسلط الضوء على أبرز المهارات اللازمة للعمل في مجال ادارة القنوات الرقمية (شبكات التواصل الاجتماعي – ادارة الموقع الالكتروني – ادارة التطبيق – العلاقات العامة الرقمية):

  • القنوات لا تتشابه: الخطأ الدارج هنا أن كثيرا من المنظمات تنشر ذات المحتوى وذات النص المرافق في كافة قنوات التواصل الاجتماعي وهذا خطأ، لا بد من معرفة أن كل منصة يستخدمها شريحة رئيسية لا تتشابه مع باقي القنوات، لنأخذ مثالا، تويتر قناة عامة يستخدمها في الغالب الشرائح العمرية العليا (فوق 25 سنة) وتتنوع الاهتمامات ما بين القضايا الرياضية، السياسية والاجتماعية، بينما يستخدم انستغرام مثلا شريحة كبيرة ممن يسمون بالشباب لأصغر سنا (بين 16 و 25 سنة) واهتماماتهم مختلفة غالبا ما بين التصوير والطبخ والتسوق الالكتروني، كما أن شريحة الإناث أكثر تفاعلا على انستغرام منهم على تويتر، توحيد المحتوى والنصوص بين المنصات هو خطأ كبير أتفهمه لمحدودية العاملين في هذا المجال ولكن يجب أن تكون هدفا دائما أن يخصص نص مختلف لكل قناة (وربما محتوى مختلف بالكامل) لأن هذا من شأنه أن يرفع مستوى التفاعل ايجابيا، لذا على العاملين في هذا المجال معرفة الفروقات بين المنصات من ناحية المستخدمين وساعات الذروة واللغة المناسبة للتواصل.
  • قياس الأثر: توفر كافة القنوات الرقمية بشتى أشكالها أدوات لقياس الأثر من وجود المنظمة على هذه القناة، الاحصائيات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي لكل منصة، أداة Google analytics للموقع الالكتروني، أداة Google Firebase لاحصائيات التطبيق، والكثير من الأدوات لمعرفة ما يقال عنك في المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي مثل Mention, Meltwater هي أساسية للعاملين في إدارة القنوات الرقمية لبناء تصور واضح عن مدى نجاح/فشل استراتيجياتهم في التواجد على هذه المنصات ومعرفة النمو او التراجع على فترات معينة (يومية/أسبوعية/شهرية) مامن شأنه تسهيل إنشاء التقارير الخاصة بهذه الجزئية من العمل الرقمي.
  • الأدوات: متوقع من العاملين في هذا المجال أن يعرفوا الأدوات التي من شأنها تسهيل إدارة هذه القنوات مثل:
    • ادوات النشر: مثل Buffer, SproutSocial
    • أدوات الاستماع: مثل UnionMetrics
    • أدوات الأتمتة: مثل Sprinklr, HootSuite
    • أدوات الاحصائيات: مثل الاحصائيات المصاحبة لقنوات التواصل الاجتماعي.
    • أدوات الرد على العملاء: مثل Engagor, HootSuite, Sprinklr
  • إعادة استخدام المحتوى: كثيرون ينشرون محتوى لمرة واحدة فقط وهذا خطأ دارج، يمكن للمحتوى ما دام نافذا (عرض او خصومات سارية) أن ينشر للمرة الأولى ثم يعاد نشره في وقت مختلف خلال يومين مختلفين للوصول الى اكبر عدد من المستخدمين، كما يمكن للمحتوى التعليمي (مثل كيف تطلب من تطبيقنا؟) أن ينشر باستمرار وبجدول متفق عليه، هذا من شأنه تعزيز وصول رسالتك الى جمهورك المستهدف، إعادة نشر المحتوى عنصر أساسي في تأسيس مخزون المحتوى الجاهز (Content Calendar) الذي تطرقنا له في جزئية المحتوى السابقة، والذي يساهم العاملون في إدارة القنوات الرقمية بشكل أساسي في تجهيزه وتحديثه باستمرار بحكم عملهم المباشر مع العملاء واطلاعهم بشكل أفضل على تقلبات القنوات الرقمية والموجات التسويقية.
  • المرونة: ولها أوجه عديدة:
    • صحيح أنه يمكنك استخدام أدوات جدولة المحتوى لنشرها لكن التحلي بالمرونة عنصر أساسي في ادارة هذه القنوات، على سبيل المثل تجنب نشر محتوى أثناء وجود موضوع يمس كافة أطراف المجتمع تقريبا، مثل أن تنشر وقت مباراة مهمة للمنتخب، أو عندما يكون هناك حدث عام يتابعه الكثيرون، قم بتغيير جدول النشر متى ما دعت الحاجة وتعامل معه كعنصر ديناميكي يمكن تغييره وفق متطلبات السوق (نعم، جمهورك على القنوات الرقمية هم سوقك).
    • تجنب المشاركة في كل حدث عام، المشاركة لأجل المشاركة فقط في الترندات او المواضيع الملتهبة أمر غير محبب تسويقيا، أختر معاركك بدقة وتأكد من وجود فائدة تسويقية واضحة لمشاركتك في هذه المواضيع.
    • تجنب الانفعال عند الرد على العملاء الحاليين او المحتملين، رغم ان ذلك يبدو صعبا إلا أن العاملين في الرد على طلبات العملاء يجب أن يفرقوا أن الكلام المسيء الموجه لهم ليس شخصيا وإنما للمنظمة، لذا أعتبر هذه الصفة من أهم الصفات التي يتطلب التحلي بها خصوصا لمن يدير قنوات كبرى وترده مئات الردود يوميا، ومن المهم أن يتم تحفيز العاملين في هذه الفرق نحو التحلي بمزيد من الصبر والتوازن.

بعد هذا التفصيل الدقيق لإدارة القنوات الرقمية، دعونا نلقي نظرة نموذج “هيكلية القنوات الرقمية” الذي حاولت من خلاله تبسيط التعقيد الكبير في فهم التفاوت بين القنوات الرقمية الأربع الرئيسية:

  • الموقع الالكتروني: يمكن تشبيه الموقع الالكتروني بمنزلك الخاص والعميل عبارة عن ضيف، لك كامل الحرية في تصميم التجربة والمسار الذي سيمر فيه هذا العميل، لك الحرية الكاملة للتحدث معه في أي وقت دون وجود مؤثرات خارجية لأن تركيزه الكامل سيكون معك، سهولة هذه التجربة ستحتفظ بالعميل لأطول فترة ممكنة وستمكنك من تحقيق اهدافك التسويقية (التسجيل، أو الشراء، أو تعبئة نموذج معين)، ولكن إساءة استخدام أن يكون العميل هو ضيفك ستجعله يخرج من منزلك وعندها سيكون التواصل معه مستحيلا.
  • الشبكات الاجتماعية: يمكن تشبيه التواصل مع العملاء على الشبكات الاجتماعية بالتواجد في مكان عام معهم، مثل الاستراحة أو المقهى، يمكن أن تقول ما لديك (عبر نشر محتوى معين) ولكن يمكن للعملاء أن يبدوا وجهة نظرهم حول ما تنشره بوجود عملاء آخرين، هذا يعني أن لا أفضلية لوجودك هنا بسبب ان المكان عام وأي إساءة ستكون قابلة للانتشار والتضخم، كما أن أي تعامل إيجابي سيكون له أثر مضاعف أيضا، تعامل بحذر مع الشبكات الاجتماعية دائما.
  • التطبيق الالكتروني: يمكن تشبيه أن يكون لديك تطبيق الكتروني منصّب في جهاز عميلك كأن تكون ضيفا في منزله الخاص، قام هو باستضافتك ويمكن التواصل معه عبر الاشعارات من التطبيق ودعوته لتجربة محتوى/منتج معين او أن تقدم له عرضا خاصا، لكن اساءة استخدام هذه الأفضلية او عندما تكون رسائلك لهذا العميل على وجه التحديد غير مناسبة له، قد تؤدي إلى طردك من منزله عبر إزالة التطبيق من هاتفه وعندها ستفقد عنصر التواصل مع هذا العميل، وغني عن الذكر ان تكلفة تحميل التطبيقات مرتفعة فأي إزالة لتطبيقك من جهاز أحد عملائك هي خسارة بلا شك.
  • العلاقات العامة الرقمية: وهي أحد أصعب القنوات، يمكن تشبيهها بوجود متحدث في مؤتمر عام يتحدث عن منتجك او منظمتك ويستمع له الكثيرون دون أن يكون لديك القدرة للرد بشكل مباشر ، تبرير أو تفنيد ما ورد في حديثه، بسبب أن ذلك حصل على منصة يمتلكها العميل، هذه القنوات مثل الصحف الالكترونية، المدونات او الفعاليات الافتراضية (Webinars) وتكمل المهارة هنا بوجود أدوات يمكنها البحث بشكل دوري ومستمر لمعرفة ماذا يقال عن منظمتك او منتجك حول الانترنت كما أشرنا سابقا.

خلك في شغلك: عن الخوف/الخجل من التنوع، الفومو، الجومو والذكاء العاطفي!

بداية لنتفق:

  • الحديث هنا لا يختص بمجتمعنا، هي حالة انسانية موجودة في أغلب المجتمعات.
  • هناك صناعات (Macro – Industries): مثل الرياضة – الثقافة – الاقتصاد – التقنية، وخلافها.
  • هناك نطاقات داخل الصناعات (Micros – Domains): مثل صناعة الثقافة، هناك الشعر الفصيح، النبطي، الرواية، الأفلام، وخلافها.

لفت نظري قبل أيام في تويتر حديث عابر عن دور للممثل الامريكي جيم كاري، أدلى شخص عادي (معلم تربية رياضية للمرحلة الثانوية) بدلوه في الموضوع ليصله رد آخر يقول: “خلك في رياضاتك”، الحديث القصير كاملا هنا:

 

والأمثلة المحلية كثيرة أيضا عندما يتحدث شخص في غير مجال تخصصه، غالبا ما يحصل على رد معلب هو: “خلك في شغلك ولا تفتي”، فهل من الواجب علينا ان نلتزم بمجالاتنا فقط ولا نناقش غيرها؟ لنلق نظرة على مجموعة أسئلة رئيسية:

  • هل المشكلة في أن يتحدث الشخص خارج تخصصه/صناعته؟

لا.

  • إذا ماهي المشكلة؟

للمشكلة وجهان:

    • المتحدث: تبرز المشكلة عندما يتحدث الشخص عن موضوع معين سواء كان في مجال تخصصه او خارجه بصيغة الجزم، نعم هي مشكلة حتى عندما تكون متأكدا تماما من صحة ما تقوله، يرتبط العلم دائما بالتواضع وترك مساحة للنقاش، ولذا يقال دائما ان افضل صديق للعلماء هو الشك، من الجيد عندما تطرح ما تثق بصحته ان تكون مستعدا لتوثيق ذلك بما يسنده، وتترك مساحة للنقاش، تتفاجأ أحيانا من بعض النقاشات أنها تعطيك منظورا مختلفا لما تعرف، سواء من ناحية علمية او اجتماعية، كما أن ذلك يقوّي موقفك في تحضير إجابات لكل سؤال متوقع.
    • المتلقي: الناس ليسوا سواسية في آداب الحوار، منهم المتعلم الخلوق والمتعلم الجاهل، والجاهل الخلوق والجاهل الجاهل، ولكلٍّ طريقته وأسلوبه في الحوار والرد، هكذا خُلقنا متفاوتين، فلا تحزن عندما تصلك ردود وقحة، أو جافة، أو لما يفتقد لأبسط أبجديات الحوار، هناك من يناقش للحصول على الفائدة وهناك من يناقش لتخطأتك وآخرون يناقشون لمجرد الجدل، معرفتك بهذا مسبقا يعطيك مناعة طبيعية من التأثر باختلاف مسالك الناس في حواراتهم، والشبكات الاجتماعية خير دليل، لذا يقال دائما Get a Thick Skin وهو تعبير يحث على عدم الاكتراث بالتعليقات الخارجة عن السياق، وهي مهارة تتطور مع الوقت ويتفاوت الناس بحسب حساسيتهم في بناء مثل هذه المهارة.
  • هل التنوع جيد أم سيء؟

جيّد، بل ممتاز، لكن التنوع ليس قرارا، هو اهتمام، التخصص في صناعة معينة هو قرار نتخذه في مرحلة عمرية أثناء الجامعة، قد نتخذ قرار مشابها في مرحلة لاحقة عندما نغير مسارنا الوظيفي بشكل جذري كأن تنتقل من التقنية الى البزنس، كما أن التبحّر في نطاقات معينة داخل تلك الصناعة هو قرار وعمل مخطط، لكن الاهتمام الجانبي بصناعة أخرى هو غالبا أمر فطري محكوم بالاهتمام، نحن لا نقرر أن نحب الشعر عندما يكون تخصصنا في الاقتصاد، أو أن نكتشف الجانب الرياضي فينا عندما نعمل في تكرير البترول، الاهتمامات الجانبية ممارسة وقراءة وحتى الغوص العميق فيها هي ميل فطري نحو ما نحب، غير محكوم بضغوطات الوقت وإنما نهرب إليه من تخصصاتنا، لأننا نجد فيه تنفيسا واستمتاعا أكبر.

  • لماذا يخجل/يخاف الناس من مشاركة اهتماماتهم الجانبية بشكل علني؟

لأن العالم اصبح تخصصيا، ولأن المجتمعات اعتادت على قولبة الاشخاص في تخصصاتهم، فحتى الرأي البسيط حول موضوع عام لم يعد مقبولا كحالة مدرب المرحلة الثانوية أعلاه، ولو عدنا في التاريخ لوجدنا ان المجد كان للعلماء المتنوعين، فجابر بن حيان كان كيميائيا وطبيبا وصيدلانيا وفلكيا، وكان الرازي طبيبا وكيميائيا وعالم رياضيا، يعزو المختصون ذلك إلى حاجة العلماء في ذلك الوقت لاكتشاف اكثر من مجال بسبب صعوبة الحصول على المعلومة، ولكن في وقتنا الحاضر اصبحت المعلومة متاحة فأصبح المجد للمتخصصين، رغم أننا نرى بين الحين والاخر عالما في عدة مجالات.

تقديس التخصص وقولبة الاشخاص في المجالات التي درسوها ويعملون بها أفضت إلى أن ارائهم خارج هذه الصناعة ليست مقبولة، هذه الحالة العامة زادت من حالة الدهشة عندما نكتشف جانبا آخر في شخصية أحد اصدقائنا او زملائنا في العمل، خصوصا عندما يكون متبحرا في ذلك المجال لكنهم بالمقابل لا يشاركون مثل هذه الاهتمامات الا في دوائر ضيقة ومع مهتمين في ذات المجال بسبب الخوف من ردات الفعل الجارحة أحيانا ولأنهم سعيدون في وضع هذا الاهتمام داخل الحياة الخاصة فقط.

  • إذا كان التنوّع جيّد، فهل مشاركته علنيا أمر جيد أيضا؟

تعتمد الاجابة على الشخص ذاته، يمكنك أن تعيش وتموت وأنت اقتصادي لكنك مهتم برياضة الكونغ فو دون ان تناقش هذا الشيء علنا، ويمكنك أن تناقشه بسبب رغبتك أن ترتبط مع اناس يشاركونك ذات الاهتمام من خارج دائرتك الخاصة، أو ربما بسبب ايمانك أن هذه رياضة جميلة وتستحق الانتشار، لذا لا يوجد صحيح أو خاطيء في هذا الجانب والاعتماد الكلي هنا على غرضك من أخذ هذا النقاش الى السطح.

  • كيف نستخدم التنوع لمصلحتنا؟

هذا لا يعني ان تكون “مصلحجيا”، أبدا، هذا يعني انك أفضل من غيرك بسبب تنوعك المعرفي، لذا يشار دائما للأشخاص الأكثر “ذكاءا عاطفيا “Emotional Intelligence” بأنهم قادرون على أخذ منحى الحديث الى جانب مختلف بحسب الشخص الذي أمامهم، فعندما تعرف ان رئيسا تنفيذيا ستقابله مهتم بالمواضيع البيئية، يمكنك دايما ان تحصل على اهتمامه بشكل أكبر عندما تتطرق لهذا الموضوع بشكل ذكي (تجنب الدخول الفج)، هذا النوع من المعرفة والتنوع قد يكون لغرض ما ولكن الشبكات الاجتماعية اعطتنا مساحة كبيرة جدا لمعرفة الجوانب الشخصية من الشخصيات العامة او الاعتبارية بطريقة او بأخرى تمكننا من معرفة اهتماماتهم وتمهد الطريق نحو بدء حوار بناء عندما نلتقيهم.

  • ماهي الفومو FOMO والجومو JOMO؟

الفومو هي اختصار لـ”Fear of missing out” او “الخوف من أن يفوتني شي” وهو عنصر أساسي في هندسة الشبكات الاجتماعية، فتجد الشخص دائما متطلع لمعرفة ماذا حصل في العالم رغم ان عدم معرفته لن يغير شيئا في العالم ولن يؤثر على الشخص نفسه على الاطلاق، ولكن البناء “النفسي” لهذه المنتجات ارتكز على جوانب علمية مثبتة في علم النفس عززت فينا فتح هواتفنا الذكية عند مرور بضع دقائق بسبب او بدون سبب وبشكل لا شعوري لأننا نرزح تحت وطأة الفومو، لكن السؤال هو ما دخل الفومو في التنوع؟ غالبا، الاشخاص ذوي الاهتمامات المتنوعة يصنعون عوالمهم الخاصة بعيدا عن هذا الشعور، ولذا برز مصطلح الجومو وهي اختصار لـ “Joy of missing out” أو “المتعة في أن تفوتني الأحداث” وهي تفسر حالة الاشخاص الذين ينشغلون بذواتهم عن العالم، فهم يستمعون أو يشاهدون موادا تلامس اهتماماتهم غير مكترثين بالعالم اللاهث من حولهم.

 

شخصيا، لدي إيمان عميق أن التنوع وإن كان قَدَرَا أكثر من كونه خيارا إلا أنه مهارة عظيمة، باختلاف الصناعات او النطاقات او الاشخاص الذين نتعامل معهم، هي مفتاح لمعرفة كيف تتعامل مع الاخرين بطرق مختلفة ومتباينة للغاية، لذا تعجبني (مع حفظ الألقاب للجميع) حكمة عبدالله بن عون، ويطربني منيف منقرة، ولا حدود لسعادتي عندما أجد لقاء جديدا لخالد الدخيّل، ويبهرني مسار نايف الروضان، ويصنع يومي أن أجد مصدرا جديدا يتحدث عن تاريخ الدولة السعودية التي وإن كنت لا تعلم تأسست قبل نشأة الولايات المتحدة الامريكية (الدولة السعودية الأولى تأسست في 1744 بينما تأسس أول اتحاد امريكي في 1776)، أرأيت، التنوع ليس سيئا، والحياة ليست كلها تقنية، لننهِ هذه التدوينة الصباحية بهذه القصيدة الجميلة للشاعر العلّم عبدالله بن عون:

 

الاطار الرقمي السعودي – (2) المحتوى

يقال دائما أن “المحتوى هو الملك” أو Content is King والسبب بسيط، يمكن لشخص بسيط ان يصنع محتوى باستخدام هاتفه الجوال ويصل الى الملايين من الناس دون ان يدفع ريالا واحدا، والسبب أن هذا المحتوى استوفى 4 شروط رئيسية للنجاح يمكن تلخيصها كما يلي:

هذا النموذج هو أحد نماذج متعددة لقياس تأثير الاعلان او المحتوى الموجه، يسمى EPIC وهو من انتاج شركة الابحاث AC. Nielsen وفهم هذا النموذج ضروري جدا للعاملين في صناعة المحتوى أيا كانت قناة النشر:

  • Empathy: التعاطف حالة ذهنية او شعور بالتأثر او الانتماء الى منتج او مجموعة من الناس بسبب رسالة تسويقية، وهي الحالة المعاكسة تماما للـ”إدراك” او ما يتضمن تفكيرا ووعيا.
  • Persuasion: أو الإقناع، وهي درجة من التغير في المعتقدات او سلوك المستهلك ورغباته بسبب تعرضه لمحتوى تسويقي أو توعوي تفضي إلى وصوله الى حالة من الاقتناع والفهم للرسالة الموجهة مامن شأنه بناء رغبة لدى هذا المستهلك بتجربة المنتج او شراءه.
  • Impact: التأثير ويقصد به تغير معرفي ذو ثلاثة محاور ناتج عن تعرض المستهلك لرسالة تسويقية معينة، الأول ان يعرف اسما تجاريا، او منتجات معينا بألوانه او موديلاته او خصائصه، والثاني التأثير الايجابي المتوقع من استخدام هذا المنتج او الخدمة، والثالث: الفوائد من استخدام المنتج على حياة المستهلك.
  • Communication: التواصل أو ما يعبّر عنه بمقدار تذكر المستهلك للمنتج والرسالة وفهمه لها، وكل النشاطات الذهنية المرتبطة بالتفكير حول الرسالة والمنتج.

هناك طرق لقياس كل عنصر من هذه العناصر وليس هذا محل الحديث عنه لأن شرحها يطول، لكن تفكّر في كل رسالة تسويقية تراها يوميا من ناحية هذه العناصر الأربعة، ستجد ان الانتشار لا يعني الاقناع، والتأثر لا يعني التعاطف، لكن المحتوى الناجح دائما هو ما يغطي المناطق الاربعة بشكل جيد لذا فهم هذا النموذج أو أي نموذج آخر لتقييم نجاح المحتوى التسويقي او الاعلاني شيء ضروري وأساسي للعاملين في المجال التسويقي بشكل عام وصنّاع المحتوى بشكل خاص.

بعد هذه المقدمة، لنسلط الضوء على عدد من المحاور المتعلقة بإدارة المحتوى:

  • أنواع المحتوى:
    • نصي: مثل التغريدات النصية، البيانات الصحفية، أو أي نص مضمّن في أعمال ابداعية.
    • مرئي: مثل التصاميم الثابتة المستخدمة في القنوات الرقمية، اعلانات الشوارع، اعلانات الصحف والمجلات.
    • متحرك: الفيديوهات او الانميشن المستخدمة في القنوات الرقمية او التلفزيون.
  • طرق صناعة المحتوى:
    • الانتاج (Creation): وهي عملية انتاج اي المحتوى أعلاه ابتداءا من الصفر.
    • المعالجة (Curation): وهي عملية تجميع محتوى سابق، معالجته، اعادة تقديمه بطريقة مختلفة، وتسمى مجازا لدينا بـ”تركيب المقاطع”، وهي طريقة مؤثرة جدا ونادرة الاستخدام في سوقنا المحلي.
  • خصائص المحتوى الناجح:
    • التشكيلة (Content Mix): من المهم أن يكون هناك تشكيلة واضحة للمحتوى المنشور على القنوات المملوكة (مثل الموقع والشبكات الاجتماعية)، مثلا أن يكون هناك 25% عن المنتجات(أسعار وعروض)، 25% محتوى تعليمي وتثقيفي عن المنتجات، 25% حول المناسبات الاجتماعية، 25% حول مواضيع ذات علاقة بأحداث آنية غير متوقعة (Realtime Marketing)، الأرقام أعلاه مجرد مثال فقط، ولكل منظمة تشكيلة تناسب نشاطها وعدد منتجاتها، ويمكن التعديل على هذه التشكيلة حتى الوصول الى التوزيع المناسب.
    • مخزون المحتوى الجاهز (Content Calendar): من الجيد أن يكون هناك خطة واضحة لما سيتم نشره خلال السبعة أيام القادمة أو الشهر القادم، موافقٌ عليها ومجدولة باستخدام ادوات النشر، ترتيب محتوى الايام القريبة القادمة يعطي الفريق التسويقي اريحية بالتعامل مع بناء محتوى جديد ويجنبه الضغط عندما يتبع اسلوب انشاء محتوى لكل يوم في ذات اليوم.
    • إعادة النشر: هناك محتوى وخصوصا التعليمي/التثقيفي حول المنتجات، يمكن اعادة استخدامه بشكل دوري ما دام صالحا (لا يزال المنتج متاحا، او لا تزال الخدمة متاحة دون تغييرات كبرى)، هذا التكتيك يضمن تواجدا ممتازا للمنظمة على القنوات الرقمية، ويرسخ وصول الرسالة الى جمهورها.
    • قابلية القراءة: يستهلك الناس الكثير من المحتوى على شاشات الاجهزة الذكية الصغيرة، تأكد ان المحتوى مقروء بسهولة ووضوح على هذه الشاشات قبل نشره الى الجمهور، تجنب المنشورات ذات النصوص الكثيرة.
    • المحتوى التجريبي (A/B Testing): عند تردد الفريق حول محتوى معين، تمكنك القنوات الرقمية من تجربة نصين مختلفين او تصميميين مختلفين باستخدام Dark Posts او المنشورات المخفية، والتي تمكن الفريق من معرفة الاكثر تفاعلا واعتماده كمنشور عام.
    • استخدم تكتيكات مشجعة على التفاعل مثل استخدام الايموجيز، تعدد الاسطر، تجنب اللهجات واستخدم الفصحى او اللهجات البيضاء التي تكون مفهومة من غالبية جمهور المنظمة.

ماذا لو: نحو تحفيز الابتكار والاقتصاد الرقمي السعودي

مقدمة:

أقرأ حاليا في الاقتصاد الرقمي وتجارب الأسواق المتقدمة في هذا المجال، وكغيره من المجالات ذات العلاقة أجد نفسي دائما ضد استيراد حلول وتطبيقها مباشرة لأن ذلك يتعارض مع طبيعة الديجيتال التي تتأثر بشكل كبير بالثقافة وسلوك المستخدم، لذا أفضّل غالبا أن يكون الحل مستوردا بحكم أسبقية بعض الأسواق ولكنه مبتكرٌ وذو “نفَسٍ” محلي يناسب حجم سوقنا الصغير وطبيعته المختلفة وتفوقنا في جانب الوصول الى الانترنت واستهلاكنا العالي للمنتجات الرقمية.

ولأني مستقل، لست مستثمرا في أي من الشركات الناشئة، ولا أمثل جهات استثمارية، ومتابع جيد لما يحدث ويستجد في هذه الصناعة، فسيكون حديثي مباشرا دون مواربة أو تلميح، وبكل تأكيد هو خطأ يحتمل الصواب وحديث غيري صواب يحتمل الخطأ.

المشكلة (التحدي):

لنستعرض بعض النقاط قبل أن نصل الى المشكلة الرئيسية، هذا الجزء من التدوينة سيكون الأطول لأنه يصف الوضع الحالي لمنظومة الاقتصاد الرقمي:

  • السيولة:
    • في مرحلة سابقة كان الاستثمار هو المشكلة، ولكن يمكنني الجزم حاليا أن الأموال الموجهة للاستثمار في الشركات الناشئة والابتكارية هي أكبر بمراحل من حاجة الشركات “المستعدة”.
    • ممتاز، هذا يعني أن السيولة ليست مشكلة، صحيح لكن لنعد التركيز على مصطلح “الشركات المستعدة” للاستثمار وهي الشركات التي وصلت مرحلة تشغيلية جيدة أثبتت من خلالها الفكرة الأساسية، او الشركات التي بدأت بفريق “قوي” وذو تاريخ جيد يمكن معه الاستثمار من مرحلة الفكرة.
  • العنصر التقني:
    • في كل شركة ناشئة، الحاجة الى العناصر المؤسسة الرئيسية (التقنية – البزنس) هو عنصر أساسي لنجاح الشركة، في كثير من الأحيان عنصر البزنس موجود ولكن العنصر التقني غائب، لنبسط الموضوع أكثر، انظر الى الشركات الناشئة الناجحة ستجد أنها كانت تحوي عنصر تقنيا قويا من الأيام الأولى.
    • ما السبب في نقص الكوادر التقنية؟ لا أعتقد أن هناك نقصا في مخرجات التعليم والدليل سيطرة السعوديين على معظم الوظائف التقنية في القطاعات الحكومية والخاصة ولكن ثقافة تأسيس الأعمال لا تزال في مرحلة التبلور منذ الفورة الأولى لريادة الأعمال في السعودية بين عامي 2010-2012، وحتى الموجة الثانية بين عامي 2016-2020 لذا يتجه أغلب التقنيين للعمل كموظفين عوضا عن إنشاء شركاتهم الخاصة، وهذا ليس عيبا وإنما هو طبيعة لحراك السوق المحلي المعتمد بشكل كبير على ضخ الأموال من القطاعات الكبرى وليس الشركات الناشئة.
    • يجب ألا ننكر أن الحراك التقني في آخر 3-4 سنوات من هاكاثونز في مجالات متعددة، ومخيمات المطورين أنتجت عددا لا بأس به من التقنيين الذين قدموا بشهية مفتوحة لإنشاء شركاتهم الخاصة لكن العدد لا يزال قليلا.
  • الوقت:
    • كناموس كوني، تحتاج الأشياء الى وقت لكي تنضج، وعند توفر العناصر اللازمة للنجاح نحتاج الى وقت كافٍ حتى نستطيع القول اننا وصلنا الى مرحلة النضج نحو بناء اقتصاد رقمي متكامل: يساهم بنسبة معقولة في الناتج المحلي – يحافظ على حركة الأموال داخل الاقتصاد – يخلق وظائف مستدامة وسوق عمل متوازن.
    • تسابق المملكة العربية السعودية الزمن نحو تنويع الاقتصاد ضمن رؤية 2030 من خلال: (اقتصاد مزدهر > استثماره فاعل > إطلاق قطاعات نمو جديدة > “نحن ندعم قطاعات واعدة ونرعى نجاحها كي تصبح دعائم جديدة لاقتصادنا” > مجال التقنية، “نحن بصدد زيادة استثماراتنا في الاقتصاد الرقمي”)، ورغم جاهزية البنية التحتية لتأسيس اقتصاد رقمي قوي بسبب حزم التحفيز إلا أن بناء هذا الاقتصاد يحتاج الى وقت لسبب بسيط هو أن دور المشرّع والداعم ينتهي عند التأسيس فقط ليقوم السوق ببناء نفسه بشكل “عضوي” ومتناسق مع نظرية السوق الحر.
  • التشريعات:

يطول الحديث حول هذا الموضوع، لكن المراقب لدور الرؤية في تسريع بناء الاقتصاد الرقمي يمكنه ملاحظة بعض البرامج بشكل واضح مثل:

  • الشركة السعودية للاستثمار الجريء: “هي شركة حكومية تأسست عام 2018م من قبل منشآت كجزء من برنامج تحفيز القطاع الخاص. تهــدف الشــركة إلى تطويــر منظومــة الاســتثمار الجــريء وتحفيز الاستثمار في الصناديق الاستثمارية والاستثمار بالمشاركة مع مجموعات المستثمرين الملائكيين بهدف سد فجوة التمويل الحالية وتحفيز الاســتثمار في المراحل الأولية والمبكرة والمراحل المختلفــة في الشــركات الناشــئة عن طريق اســتثمار 2.8 مليار ريال سعودي  (750$ مليون)” ولها دور كبير وملموس في رفع الوعي نحو الاستثمار في الشركات الناشئة وردم الهوة الموجودة سابقا.
  • برنامج تطوير القطاع المالي: قام بدور عظيم في تسهيل دخول الشركات الناشئة الى سوق التقنيات المالية، من خلال البيئات التجريبية المقدمة من البنك المركزي وهيئة السوق المالية.
  • برنامج تحقيق التوازن المالي: والذي يهدف الى تعظيم الإيرادات غير النفطية عبر تسهيلات تمكن من إنشاء أعمدة اقتصادية جديدة تعمل كروافد للاقتصاد السعودي وتحقق الهدف الأسمى من هذا البرنامج.
  • برنامج التحول الوطني: قد يكون هذا البرنامج أحد أهم البرامج التي تستهدف الاقتصاد الرقمي وتعزيزه،
    • الهدف الاستراتيجي: رقم 2.3.3 تنمية الاقتصاد الرقمي: تطوير اقتصاد رقمي متقدم يعمل بشكل رئيسي من خلال التقنية الرقمية، وخاصة التقنيات المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة، ودعمه بالابتكارات، بما يسهم في تنمية الاقتصاد.
    • أحد الأهداف: رفع انتشار وسرعة الإنترنت في جميع مناطق المملكة بتسريع نشر البنية التحتية وتحسين الخدمات، ومؤشرات قياس نجاح هذا الهدف هي: رفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 2% في 2016 إلى 3% بحلول عام 2020 + ترتيب المملكة العربية السعودية في مؤشر الجاهزية الشبكية المصدر ((Network Readiness Index.
    • مبادرات متعلقة بجودة الانترنت هي:
      • تحفيز الاستثمار في نشر شبكات الألياف الضوئية في المناطق الحضرية: تهدف المبادرة إلى تسريع نشر شبكات الألياف الضوئية في المناطق الحضرية على مستوى المملكة من خلال تقديم الدعم للمشغلين لنشر شبكات الألياف الضوئية.
      • تحفيز الاستثمار في نشر خدمات الاتصالات وخدمات النطاق العريض اللاسلكية في المناطق النائية: تهدف المبادرة إلى رفع تغطية خدمات الاتصالات والنطاق العريض في المناطق النائية من خلال تقديم الدعم للمشغلين لزيادة النطاق العريض اللاسلكي في المناطق النائية
    • نتائج التشريعات والدعم:
      • في عام 2017 كانت ترتيب السعودية كاقتصاد رقمي (الاقتصاد رقم 18 ضمن دول مجموعة العشرين) هو 105، في العام 2020 أًصبح ترتيب المملكة هو 25.
      • قفزت المملكة الى الترتيب الثاني بعد اليابان في تخصيص الطيف الترددي للأغراض التجارية.
      • الاقتصاد الرقمي رقم 13 ضمن دول العشرين.
      • المرتبة الثالثة عالميا في تبني وتشغيل الجيل الخامس.

حقوق الفيديو: التواصل الحكومي

حسنا، لنلخص المشكلة (التحدي):

  • عدد الشركات “المستعدة” قليل، قليل جدا، بكل المقاييس، بمقاييس النسبة الى الناتج المحلي، بمقاييس جاهزية البنية التحتية اللازمة لبناء اقتصاد رقمي قوي، بمقاييس نسبة وصول الانترنت الى المستهلكين، وبمقاييس نسبة استخدام الأجهزة الذكية الى العدد الكلي للسكان، بمقاييس مخرجات التعليم والتخصصات والمهارات المطلوبة لإنشاء وتشغيل اقتصاد رقمي.
  • هل هذا عيب في اقتصادنا الرقمي؟ لا، على الاطلاق، رأس المال “جبان” حتى الجريء منه، يحتاج دائما الى 3 عناصر رئيسية ليضخ المال في شركة ما: (فكرة ممتازة – فريق ممتاز – رؤية مستقبلية واضحة)، وفي حالة سوقنا هذا النظام المترابط يحتاج الى الوقت لينضج، وليكون المعروض من الشركات “المستعدة” كبيرا بما يكفي لاستيعاب الكم الكبير من الأموال الموجهة للاستثمار في هذا السوق.
  • في المقابل هناك مستثمرون أفراد (ملائكيون) يقومون بالاستثمار أيضا، مصعب الحكمي واحد من هؤلاء المستثمرين وفلسفته واضحة في هذا الخصوص فهو يستثمر في الفريق أولا قبل الفكرة لإيمانه أن الفريق الجيد قادر على صنع شركة تصل الى الربحية حتى ولو كانت الفكرة مكررة او تقليدية بعكس ان تكون الفكرة مبتكرة ولكن الفريق ضعيف ولن يصل بالمشروع الى بر الأمان.
  • المشكلة في سطر واحد هي: كيف نضاعف اعداد الشركات الناشئة باستخدام المعطيات الحالية؟ كيف يكون لدينا مليون مثل مصعب الحكمي؟

الفرصة:

أسست قووقل في 2015 فريقا يسمى Google X ومبدأه بسيط جدا:

  • أوجد مشكلة حقيقية.
  • أوجد حلا (مبتكرا – جذريا – غير مألوف).
  • استخدم تقنيات (او حلولا) غير مسبوقة.

أحد أشهر مشاريعهم هو السيارات ذاتية القيادة، المشكلة حقيقية وعالمية، وبعد البحث ثبت ان العنصر البشري هو غالبا السبب في الحوادث المرورية كان الحل هو باستبعاد الانسان من معادلة قيادة السيارة، والتقنيات المستخدمة هنا هي السيارات ذاتية القيادة. لماذا نورد هذا المثال؟ لأن مشكلتنا في تحفيز الاقتصاد الرقمي هي مشكلة خاصة بنا، أحد أسبابها حداثة انشاء هذا النوع من الاقتصاد، وصغر حجم السوق لدينا، وضعف خبرتنا في ان نكون مصدرين للحلول التقنية، لذا نحن نريد تنويع اقتصادنا، بطريقة سريعة، وباستخدام حلول مبتكرة.

سيأتي من يقول كيف نقارن اقتصادنا الرقمي بأسواق ناضجة مثل أمريكا أو أوروبا أو حتى الشرق الاسيوي؟ لا بأس، لنتذكر جيدا مع اختلاف السياق بداياتنا في الصناعات البتروكيماوية وكيف أصبحنا رواد العالم فيها، رغم ان كونك دولة نفطية ليس كافيا لتكون متقدما في صناعة المشتقات والأمثلة كثيرة، لذا متى ما كانت الرغبة موجودة وصادقة وتوفرت السبل لتحقيقها فلن يتبقى الا العمل، لنأخذ ايرلندا على سبيل المثال، بلد صغير وذو موارد محدودة ولكنه خالف السائد وأتى بحل مبتكر وتسهيلات أصبحت معه ايرلندا قبلة المشاريع الناشئة في أوروبا، وحاضنة لمشاريع أصبحت عالمية فيما بعد، أشهرها Stripe الذي وصل الى تقييم 95 مليار دولار، و Twilio التي تتداول في بورصة نيويورك بحجم سوقي يعادل 63 مليار دولار، وغيرها الكثير.

لماذا نورد هذه الأمثلة؟ ببساطة لأننا نحتاج حلا مختلفا و “محليا” لمضاعفة عدد الشركات، حل ربما لم يتم التطرق له في أسواق أخرى، حل يمكّن سوقنا من استقبال 100 شركة ناشئة جديدة خلال فترة قصيرة، يفشل منها 95 وينجح 5 فقط لكن تأثير هذه الخمسة يغطي استثمارات البقية ويحقق الهدف النهائي: يساهم بنسبة معقولة في الناتج المحلي – يحافظ على حركة الأموال داخل الاقتصاد – يخلق وظائف مستدامة وسوق عمل متوازن.

الحل:

رأس المال جبان كما أوردنا سابقا، حتى ولو تستر خلف اسم “صناديق جريئة”، لكن ماذا عن “التمويل الجماعي”؟، لا تستعجل الحكم، التمويل الجماعي بصيغته الحالية ليس حلا، لكن لنفكر بالتالي (الحل يتطلب تشريعات مختلفة بكل تأكيد لكن هذه أمور تقنية يمكن تشريعها وضبطها، لنفكر كما لو كان التشريع ليس عائقا، وانما عامل مساعد ومستعد لتشريع ما من شأنه أن يحفز الاقتصاد الرقمي:

  • تخيل معي، شركة ناشئة تعمل كمنصة تمويل جماعي للمشاريع الناشئة، لديها فريق قوي ومختص في جوانب الاستثمار في الشركات الناشئة، كتلك الموجودة في الصناديق الجريئة وصناديق الاستثمار، قادرة على القيام بالفحص النافي للجهالة “due diligence” ولكن بشكل سريع، و On-Scale، احد عيوب الصناديق انها بطيئة في اتخاذ القرار اما بسبب إجراءات واليات موافقة معقدة، او بسبب ضعف فرقها التقنية والمالية، يستغرق اشهرا في بعض الأحيان لاتخاذ قرار الاستثمار في شركة ما.
  • يمكن لأصحاب المشاريع التقديم للحصول على تمويل من هذه المنصة، يجب على أصحاب المشاريع اتباع نظام معين في تدوين المعلومات المتعلقة بمشاريعهم “Standard Processes” مما يسهل على فريق المنصة النظر في الفرص بشكل أسرع وأدق، هذه المنصة توفر محتوى تعليمي “وهو كثير ومنتشر” عن كيفية بناء محتوى تقديمي للمشروع، استراتيجية، خطة عمل، وخلافه مما تطلبه الصناديق عادة، هذا من شأنه أتمتة عملية طلب الانضمام للحصول على تمويل، وهو يعمل كخط أولي لتنقيح الفرص الواردة، هناك رسوم غير مستردة أيضا عند تقديم الطلب لإضفاء مزيد من الجدية لدى المتقدمين ولتغطية مصاريف فريق المنصة.
  • عند تجاوز آلية التقييم (والتي يجب أن تكون أقل تشددا من الصناديق الجريئة)، تطرح الفرصة للعموم لتمويلها، بحيث يكون الحد الأعلى للأفراد هو 1000 ريال سعودي، لماذا؟ السبب بسيط، توزيع المخاطر ورفع شهية الاستثمار لدى الأفراد، غني عن الذكر ان النظام المالي في السعودية متقدم جدا في مواضيع “اعرف عميلك KYC” وهو ما سيجعل المشاركة في هكذا تمويل أسهل بكثير، يمكن الإشارة الى الاكتتابات IPOs كنشاط مشابه في جزئية التمويل فقط، ومدى الاقبال الكبير والتغطيات الضخمة التي توضح تعطش الأفراد الى قنوات استثمارية جديدة.
  • تحصل المنصة على أسهم في كل شركة تطرح للتمويل ويكون هذا نموذج العمل للمنصة، قد يبدو نموذج عمل خطير وغير دارج، ولكن بمقاييس النجاح والفشل في الشركات الناشئة، نجاح نسبة ضئيلة من هذه الشركات كافٍ لتكون الشركة المديرة للمنصة ليس فقط في نطاق الاكتفاء وانما الربحية (وربما مداخيل غير منطقية عند عمل النموذج بشكل صحيح).
  • نظام تداول الأسهم، ملكيتها وحقوق بيعها وفترات المنع، هي أمور تقنية/تشريعية، يمكن ابتكار نموذج جديد لها يساعد في أن تكون هذه المنصة (وربما أكثر) رافدا مهما نحو تحفيز الابتكار في الاقتصاد الرقمي.

القيمة المضافة من هذه المنصة:

  • لا أجزم اطلاقا بصحة النموذج أو الفكرة، ولا اعتقد ان غيري قادر على ذلك قبل دراسة مستفيضة، لكن هدفي من كتابة هذه التدوينة هو النظر بمنظور مختلف نحو إيجاد حلول غير تقليدية للتحديات المحلية، وعدم الاكتفاء باستيراد حلول معلبة، بكل تأكيد مجرد المحاولة هو خطوة نحو تمكين اكبر للشباب والشابات في السعودية نحو الابتكار والتجديد في الاقتصاد الرقمي.
  • بوجود هكذا منصة يمكن توجيه الاستثمار نحو قطاعات معينة، مثلا يمكن أن يكون هناك ربع او نصف سنة موجهة نحو الاستثمار في قطاع الثقافة وتفرعاتها، ثم نحو الاستثمار في مجال التقنيات الرياضية وهكذا، ما من شأنه ان يسلط الضوء على الفرص غير المكتشفة، ولتعزيز الابتكار في قطاعات مختلفة بعكس التركيز السائد حاليا على قطاعات معينة (تجارة الكترونية، او تقنيات مالية) رغم أهميتها الا أنها تخطو بالاتجاه الصحيح، المزيد من المحتوى المحلي والمزيد من الوظائف والمزيد من الحركة المحلية للأموال.
  • القيمة الرئيسية تكمن في تعزيز الابتكار في الاقتصاد الرقمي، توجيه رأس المال نحوه بطريقة تقلل من المخاطر بشكل كبير، كما أنها ترفع الوعي المجتمعي بجدوى الاستثمار المحلي في المشاريع الناشئة وتقلل من هجرة الأموال الصغيرة نحو الاستثمار في أسواق أخرى.

ختاما،

ظلت هذه الفكرة تراودني منذ ثلاثة أعوام، ربما لم تكن قد تبلورت بشكل صحيح، كما أن السوق تحسن كثيرا منذ كتبت المسودة الأولى لهذه الفكرة، وتطورت البنية التحتية بشكل مهول، لكن قراءتي حول الاقتصادات الرقمية في الآونة الأخيرة جلبت هذه الفكرة الى السطح مرة أخرى، قد تكون فكرة غير ناضجة أو مكتملة، لكن مشاركتها مع المهتمين في هذا المجال سيكون كافيا لأن يفكر بها مجموعة عقول بدلا من عقل واحد، وأن تُنَاقش من زوايا مختلفة تحسّنها وتطورها أو تأخذها الى مستوى جديد من التأطير.

الانترنت في السعودية، من الدايل أب الى الجيل الخامس

كثيرا ما أكتب عن الانترنت وعلاقتي معها منذ 21 عاما، لم أكن من جيل الأوائل الذين استخدموا الانترنت عن طريق البحرين، ولم أعرف الانترنت الا بعد دخولها رسميا الى السعودية في العام 1998 تقريبا، وأستطيع القول أنني جربت كل منتج انترنت تم تقديمه للأفراد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، لنعد بالذاكرة:

  • دايل أب: بصوت المودم الشهير وذكريات انشاء خط مستقل للانترنت لأن استخدامها يترك الهاتف الثابت مشغولا طوال الوقت في عصر لم يكن الجوال فيه هو وسيلة التواصل الرسمية، لا بد ان نتذكر مودم US Robotics الشهير مع كل ذكر للدايل أب، هذا العصر يشمل أيضا ايزي نت و Dial Back وغيرها، هل يجب أن نتكلم عن السرعة؟ اذا لم تعاصر هذا المنتج فلك أن تتخيل اننا كنا نفتح بعض الصفحات ثم نخرج لساعات بانتظار ان ينتهي تحميلها عند عودتنا، السرعات لم تكن تتجاوز 40 كيلوبت، هل تعرف ما معنى 40؟ يعني ان تحميل ملف حجمه 1 جيجا يستغرق 83 ساعة على افتراض عدم انقطاع الانترنت بتاتا، يعني تقريبا 4 أيام، استخدمت الدايل أب بين الأعوام 1999-2003 تقريبا.

 

  • الـDSL: ظهرت تقنية DSL بشكل تجاري في السعودية عام 2000 (احتاج الى تأكيد) وما تلاها، وصاحبها انتشار واسع فيما بعد نظرا لانتشار الانترنت كوسيلة ترفيه ومن ثم فورة تداول الأسهم عن طريق الانترنت، وكانت السرعات في ذلك الحين ثورية مقارنة باستخدام الدايل أب، اعتقد انها كانت تبدأ من 64 كيلوبت كحد أدنى ثم 128 و 256، أما من يستخدم 512 فهذا كان يشار له بالبنان، لم يكن اشتراك الانترنت رخيصا في ذلك الحين لكن الـDSL كانت مرحلة مهمة جدا في تأسيس جيل السعوديين الانترنتيين، وكان أشهر أجهزته هو مودم SpeedTouch او الكاتل/الكاتيل.

طبعا تطورت السرعات فأصبح هناك 1 و 2 و 4 و 8 و 16 وحتى 50 ميقا، لكن الـDSL يعتمد على الشبكة النحاسية وهي تقنية قديمة فلم تكن مستقرة معظم الوقت لكن لمن استخدم الدايل أب كان الـDSL هو النعيم بعينه. استمر الـDSL حاضرا ولا يزال في بعض المناطق لكن يمكن القول انه اصبح شيئا من الماضي.

 

  • الـ3G: ظهر الانترنت المحمول باكرا في السعودية، أتذكر اول تجربة لي كانت قبل نزول الايفون في نوفمبر 2006، أي قبل ثورة الأجهزة الذكية باسخدام جهاز PCMCIA على اللاب توب، كانت تجربة لمجرد التجربة وكانت السرعات ممتازة مقارنة بسرعات الـDSL ولكن هذا كان مبررا لعدم وجود مستخدمين كثر في ذلك الوقت، تعاظم استخدام الـ3G مع بدء ظهور الايفون وأجهزة الاندرويد وحقيقة لا يمكنني تذكر السرعات المتاحة في تلك الفترة، اشتهرت أجهزة الكونكت المحمولة في تلك الفترة سواء كانت الراوترات او الدنقل. استمر الجيل الثالث سيد الموقف في السعودية حتى تقريبا 2012 عندما تم تدشين الجيل الرابع بشكل مكثف.
  • الـ4G: مع بداية فورة الشبكات الاجتماعية في العام 2011 تعاظم استخدام الجوال وصار استهلاك الانترنت يحصل في كل وقت وليس مرتبطا بالجلوس امام جهاز كمبيوتر في البيت او العمل، وظهر وقتها الجيل الرابع الذي قدم سرعات عالية مقارنة بما كان متاحا، كما استبدل المستهلكون الـDSL براوترات منزلية للـ4G قدمت سرعات عالية كانت هي بداية المسار الصاعد لاستخدام الانترنت بشكل عام في السعودية على شريحة كبيرة لم تكن تستخدم الانترنت في وقت سابق مثل كبار السن او ذوي الدخل الادنى. سرعات الانترنت على الجيل الرابع كانت تتراوح بين 40 ميقا وحتى 100 ميقا تقريبا، تطورت في السنوات الاخيرة لتصل الى 200 ميقا ايضا في المناطق المغطاة بشكل جيد.

 

وقفة تاريخية:

في الفترة 2015-2016 تصاعد استهلاك الانترنت في السعودية بشكل جنوني ولا يمكن تصديقه، الشعب الأكثر استهلاكا ليوتيوب وسناب شات في العالم مقارنة بعدد السكان، مجموع البيانات التي يتم تمريرها على شبكات الجوال في السعودية فقط هي أعلى مما يحدث على شبكات فودافون في 21 دولة، كان الوضع جنونيا وغير قابل للاستمرار حتى جاءت الرؤية في أبريل 2016، ولكن ما علاقة الرؤية بسرعة الانترنت؟

تتمحور رؤية السعودية 2030 حول 3 محاور (مجتمع حيوي – اقتصاد مزدهر – وطن طموح)، يتفرع منه برامج متعددة أبرزها برنامج التحول الوطني وهو المهم في هذا الصدد، لبرنامج التحول الوطني 8 أبعاد، السابع منها “الإسهام في تمكين القطاع الخاص” يواجه عدة تحديات أحدها “عدم ملاءمة البنية التحتية الرقمية لتطلعات رؤية ٢٠٣٠” ولهذا جاء أحد أهدافه الاستراتيجية كالتالي:

  • الهدف الاستراتيجي رقم 2.3.3 تنمية الاقتصاد الرقمي: تطوير اقتصاد رقمي متقدم يعمل بشكل رئيسي من خلال التقنية الرقمية، وخاصة التقنيات المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة، ودعمه بالابتكارات، بما يسهم في تنمية الاقتصاد.

وكان أحد أهدافها هو: رفع انتشار وسرعة الإنترنت في جميع مناطق المملكة بتسريع نشر البنية التحتية وتحسين الخدمات.

أما مؤشرات قياس نجاح هذا الهدف فهي:

  • رفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 2% في 2016 إلى 3% بحلول عام 2020.
  • ترتيب المملكة العربية السعودية في مؤشر الجاهزية الشبكية المصدر ((Network Readiness Index

وانبثقت منها هذه عدة مبادرات ما يتعلق فيها بجودة الانترنت هي:

  • تحفيز الاستثمار في نشر شبكات الألياف الضوئية في المناطق الحضرية: تهدف المبادرة إلى تسريع نشر شبكات الألياف الضوئية في المناطق الحضرية على مستوى المملكة من خلال تقديم الدعم للمشغلين لنشر شبكات الألياف الضوئية.
  • تحفيز الاستثمار في نشر خدمات الاتصالات وخدمات النطاق العريض اللاسلكية في المناطق النائية: تهدف المبادرة إلى رفع تغطية خدمات الاتصالات والنطاق العريض في المناطق النائية من خلال تقديم الدعم للمشغلين لزيادة النطاق العريض اللاسلكي في المناطق النائية

ماذا نتج عن هذه المبادرات؟ تقنيات وحلول جديدة نستعرض منها:

  • الألياف الضوئية: بدأت في العام 2009 تقريبا بنطاق محدود جدا في المدن الرئيسية وأخذت سرعات الانترنت الى أرقام خيالية حتى 200 ميقا، وفي العام 2017 انطلقت مبادرة نشر شبكات الالياف الضوئية مستهدفة الوصول الى مليوني منزل في السعودية عبر ضخ ما يقارب 15 مليار ريال للاستثمار في البنية التحتية، هذه المبادرة تجاوزت ماهو مستهدف لها ووصلت الى 3.5 مليون منزل، ثم تفرع منها مبادرة الوصول المفتوح “Open Access” وهو ما يمكن المستهلك من الاشتراك مع أي شركة مقدمة للخدمة بغض النظر عن الشركة المالكة للشبكة الواصلة الى المنزل لتعزيز خيارات المستهلك. خدمة الفايبر او الألياف الضوئية هي دايما خياري الأول للسرعات العالية التي تقدمها ولاستقرار الخدمة وثباتها بشكل دائم.

  • الجيل الخامس: رغم أنه بدأ بشكل خجول في العام 2019 إلا أنه كشر عن أنيابه في العام الحالي، استثمارات كبيرة من مشغلي خدمات الجوال في السعودية وضعت المملكة في المركز الأول عالميا لسرعات هذا الجيل، تجربتي له خلال الأشهر القليلة الماضية تطورت بشكل متسارع فمن سرعات بحدود 300 ميقا أصبحت قادرا هذه الأيام على تجربة سرعات وصلت الى 1.4 جيجا، نعم، في السعودية أصبح بإمكاني تجربة ما كان حلما في وقت مضى، ما كنا نسمع انه متاح في كوريا الجنوبية أو فنلندا أصبح متاحا هنا في الرياض.

ختاما، كمستخدم عاصر جميع خدمات الانترنت في السعودية، أعتقد أننا نعيش عصرها الذهبي، صحيح أن بعض الخدمات لم تصل الى كافة مناطق المملكة ولكني متفائل ان ما بدأه وأنجزه برنامج التحول الوطني سيستمر باستثمارات مشغلي الاتصالات في السعودية نحو تقديم خدمات البنية التحتية الرقمية لكل مدن وقرى المملكة، هذه القفزة في خيارات المستهلك البسيط هي لبنة أساسية نحو بناء اقتصاد رقمي يساهم في الناتج المحلي ويولد وظائف ويحافظ على بقاء الأموال في دورة اقتصادية محلية بدلا من تصديرها الى اقتصاديات أخرى، وما كان يبدو ترفا في الماضي أثبتت جائحة كورونا أنه ضرورة وطنية قصوى، فجاهزية المملكة رقميا سهلت كثيرا موضوع العمل عن بعد والتسوق الالكتروني أثناء الحظر الكامل والجزئي والتعليم عن بعد في الوقت الحالي، وقبل أن أنهي هذه المقالة لا بد من الإشارة الى كلمة سمو سيدي ولي العهد الأخيرة حول القطاع الرقمي والتي تؤكد على أن البنية التحتية الرقمية ستكون دائما أحد محاور الرؤية الرئيسية ورهانها نحو “رفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي“:

“”حققت المملكة العربية السعودية المركز الأول في التنافسية الرقمية على مستوى دول مجموعة العشرين في الثلاث السنوات الماضية، وقفزت 40 مركزاً في مؤشر البنية التحتية الرقمية للاتصالات وتقنية المعلومات. ووضعنا استثمارات تجاوزت 55 مليار ريال في البنية الرقمية للمملكة، ما نتج عنها رفع مستوى متوسط سرعة “الإنترنت” حتى أصبحنا الدولة الأولى في سرعات الجيل الخامس، ومن ضمن الدول العشر الأولى عالمياً في سرعات “الإنترنت” المتنقل بعد ما كنّا خارج قائمة أعلى 100 دولة. وضاعفنا عدد المنازل المرتبطة بشبكة الألياف الضوئية 3 مرات من مليون منزل إلى من 3.5 مليون منزل. هذا التحول الرقمي الفريد من نوعه عالمياً مكننا من استمرار العمل لأكثر من 94% من الجهات الحكومية والقطاع الخاص في أثناء الجائحة، ورفع نسبة توطين الوظائف في القطاع إلى 50%“.”

أنا موظف في stc وأعمل في القطب الشمالي!

تعرّفت على الكمبيوتر في العام 1995 والانترنت في العام 1999 ومن فرط هوسي بهذا العالم تخصصت في هندسة الحاسب وكنت أتمنى أن أعمل في مجال يضمن أن أظل متصلا بالانترنت معظم اليوم، كانت احلاما قديمة فأغلب الاعمال حاليا أصبحت تتطلب اتصالا بالانترنت، لكن احلامي تطورت لتكون أن أعمل من أي مكان في بيئة لا تتطلب تواجدي في مقر العمل بشكل شخصي.

حول العالم، هناك شركات كثيرة لا تتطلب حضورا شخصيا لمقر العمل، وأذكر قبل عامين اجتماعا مع إحدى الشركات الأوربية الصغيرة المقدمة لخدمة SaaS وكان افراد فريقها موزعين بين بالي في أندونيسيا وفرانكفورت ولندن علما بأن هذه الشركة لا تملك مقرا فعليا، شركة Basecamp أحد أشهر الشركات التي تنتهج العمل عن بعد بشكل كامل منذ قرابة 20 عاما ولكن عدد موظفيها لا يتجاوز 57 موظفا، والأمثلة في هذا السياق كثيرة من ضمنها TopTal شركة التوظيف، شركة InVision رائدة حلول تصميم UX/UI و Automattic الشركة الأم لتطبيق WordPress، أما أكبر الشركات التقنية حول العالم فتنقسم وظائفها الى وظائف تتطلب حضورا شخصيا واخرى تمثل عملا عن بعد.

بشكل شخصي، لا أحب بيئة العمل التي تنتهج نظام المحاسبة بالوقت (حضورا وانصرافا) رغم تفهمي لضرورة هكذا نظام في ظروف محددة، وأفضّل التي تعتمد الانتاجية والعلاقة بين الموظف ومديره المباشر لضبط عملية الحضور وقياس الانتاجية، ومع الظروف القسرية الناتجة عن جائحة كورونا والعمل عن بعد اجباريا لأغلب الحكومات والشركات حول العالم ظهر جلياً أن العمل عن بعد خيارا ليس سيئا كما يبدو، فمددت بعض الشركات حول العالم مثل قووقل وفيسبوك العمل عن بعد الى منتصف العام 2021.

محليا وإقليميا، تقوم الشركات الناشئة بتبني هكذا أنظمة لصغر فريق العمل وسهولة ضبطه ولكن الشركات الكبرى في السعودية والخليج كانت بعيدة جدا عن تبني هكذا أفكار حتى جائحة كورونا على الأقل. في stc حيث أعمل أطلقت الشركة نظام العمل عن بعد في العام 2017 بشكل مبسط جدا يتضمن 3 أيام للعمل عن بعد في كل ربع، وبمجموع 12 يوم في السنة. هذه المبادرة كانت أساسا ممتازا لتجهيز الشركة والموظفين للعمل من خارج المكتب والذي يتطلب 3 أشياء رئيسية:

  • الموظفين (الكفاءات الرقمية): وجود كادر وظيفي قادر على استخدام التقنية للعمل عن بعد بشكل كامل (معرفة باستخدام الايميل، أدوات التعامل الرقمية بين الموظفين، المنصات الرقمية).
  • الإجراءات (المرونة) الرقمية: وجود آليات للعمل الرقمي الكامل لا تتطلب حضورا شخصيا (عدم وجود معاملات ورقية، توقيع إلكتروني) والاستعاضة عنها بتحول رقمي للمعاملات.
  • البنية التحتية: وجود بنية تحتية قادرة على تمكين الموظفين من العمل عن بعد (حاسب محمول – هاتف وانترنت متنقل – انظمة تواصل مرئي ومسموع للاجتماعات).

بعد الجائحة، تبين للقائمين على الشركة أن النضوج أو Maturity وصل مستوى ممتازا وتم اختباره بشكل (إجباري) ومكثف أثناء كورونا وجاءت النتائج أكثر من رائعة، لذا قررت الشركة واستنادا على استراتيجيتها الرقمية تجرأ DARE وما تبنته في هويتها الجديدة في ديسمبر الماضي أن stc الجديدة هي ممكن رقمي فعلي وليس على الورق فقط، أعلنت بالأمس عن سياسة العمل عن بعد بشكل كامل في توجه مفاجيء وجريء، تضمنت هذه السياسة 3 أنواع من الوظائف حسب تقييم الأعمال فيها:

  • العمل عن بعد بالكامل: وظائف لا تتطلب حضورا الى مقر العمل على الاطلاق، سيمكن هذا النوع stc من توظيف كفاءات في مناطق بعيدة عن مقرها الرئيسي، لكفاءات لا ترغب في الانتقال من مدنها الحالية، تخيل أن شابا حديث التخرج في تخصص هندسة البرمجيات من القريات لكنه يريد البقاء بجانب عائلته في أقصى شمال المملكة، أصبح بالإمكان أن ينضم الى stc الان ويعمل من منزله في القريات.
  • العمل عن بعد جزئيا: وظائف تتطلب العمل حضوريا بنسبة 75% والعمل عن بعد 25% أو ما يعادل 60 يوم عمل في السنة، وهذا النوع سيخضع للمراجعة وربما تزاد النسبة بعد التطبيق وإثبات فعالية السياسة الجديدة.
  • العمل حضوريا بالكامل: وهذا النوع يشمل الوظائف التي تتطلب وصولا مباشرا إلى أنظمة حساسة أو تخضع لاجراءات الأمن السيبراني عالية المخاطر ولا يمكن إدارتها عن بعد.

أعترف بأني متفاجيء لقرار الشركة بتفعيل العمل عن بعد ولو بشكل تدريجي ولكنه قرار جريء لشركة بحجم وضخامة stc، هذا القرار يثبت أن توجه الشركة نحو ان تكون الممكن الرقمي رقم 1 في السعودية والمنطقة هو قرار حقيقي وليس دعاية إعلامية، وواحد من ضمن توجهات عدة في هذا المجال، بقي أن حلمي بالعمل عن بعد صيفا من القطب الشمالي وشتاءاً من أعيوج لينة أو جبل اللوز أضحى واقعا.

الحلول التقنية (المحلية) المبتكرة: أسعار العقار أنموذجا

سواء كنت مهتماً أم لا، لا بد أن يطرق مسامعك بين الحين والاخر موضوع العقار وارتفاع اسعاره وانخفاضها، وهذا الموضوع ظل حبيسا لفترة طويلة خلف قضبان ما يتداوله الناس والعقاريون في مجالسهم وفي الشبكات الاجتماعية وبرامج التواصل ولكن لم يحدث أي تطور في هذا الجانب من شأنه أن يزيح الستار عن الأسعار الفعلية للعقار حتى أتى تطبيق عقار ونشر مؤشرا للأسعار في كل حي بناء على بيانات الاراضي المعروضة من خلال المنصة فقط، ورغم أن ذلك كان مؤشرا جيداً إلا أنه لا يمكن وصفه “بالدقيق” لأن الأسعار ليست نهائية ولا تعكس واقع البيع والشراء الحقيقي، لكنها كانت تقريبية وجيدة بعض الشيء.

تعايش العقاريون مع هذا الواقع لفترة طويلة، لكن في حال أنك (كمستهلك عادي) قررت البحث عن أرض لبناء بيت العمر ستجد أن هذه المشكلة حاجز فعلي لاتخاذ قرارك بالشراء في حي عن اخر، ولتقييم سعر متر الارض المعروض لشح البيانات المستخدمة للمقارنة، ولكن أستطيع القول حاليا أن هذه المشكلة ولت الى الابد (بشكل كبير)، والمميز في الحل الذي سنستعرضه هنا أنه تم بناؤه بالاعتماد على معلومات دقيقة للغاية توفرها بشكل مجاني وزارة العدل في السعودية الجهة المسؤولة عن توثيق صفقات البيع والشراء، وتقدم هذه البيانات بشكل خام على موقعها الالكتروني تحت مسمى “البيانات المفتوحة” وهي بيانات تنشرها الجهات الحكومية وفق اليات معينة للعموم للاستفادة منها في اتخاذ القرارات الشخصية والتجارية.

قام سليمان السويلم بتأسيس موقع “أسعار العقار الموقع – تويتر ” وهو عبارة عن محرك بحث يرتكز على الصفقات المنشورة من وزارة العدل (لبعض المدن حتى الان) يمكنك من خلاله الاطلاع على كافة الصفقات وفرزها بحسب التاريخ والمساحة وسعر المتر والسعر الاجمالي ورقم المخطط ورقم القطعة بأسلوب سهل للغاية يعطيك انطباعا “حقيقيا” لمؤشر الأسعار في حي معين ومدينة معينة، هذا نموذج لاخر الصفقات في حي الياسمين بالرياض:

 

ختاما، حديثي اليوم عن هذا الموقع هو لسببين رئيسيين نفتقدهما في الحلول التقنية:

  • الحل جاء لمشكلة حقيقية تواجه الكثير منذ مدة طويلة، وهي مشكلة محلية بامتياز، يعني انه لا يمكن للاعب دولي في مجال التقنية ان يأتي بحل لهذه المشكلة وانما الحلول لا بد ان تنبع من المجتمع المحلي ومن أشخاص يعرفون جذور المشكلة تاريخيا بشكل دقيق، يمكنك الحصول على اسعار مماثلة لكثير من المدن حول العالم، ميامي أنموذجا.
  • وهو الأهم بنظري، أن سليمان في الحل المقدم اعتمد على بيانات مفتوحة ومنشورة ومشاعة الاستخدام، وما فعله وان كان يبدو بسيطا من تأسيس واجهة لعرض النتائج والصفقات والمعلومات اللازمة لاتخاذ القرار الا ان التأثير كبير للغاية واعتقد انه سيحدث فارقا كبيرا في السوق العقاري، فكرة الاعتماد على البيانات المحلية مفتوحة المصدر يمكن ان تخلق عشرات او مئات الافكار الخلاقة التي تزعزع المشهد الحالي للحلول التقنية في السعودية.

 

شكرا سليمان السويلم، وشكرا مقدما لكل رواد الاعمال الذين يقدمون حلولا محلية تبنى على بيانات محلية حكومية كانت او خاصة، السوق متعطش لهكذا مشاريع وهكذا مبادرات.

أوجه الخلاف بين التسويق وتقنية المعلومات في المارتك

قبل الحديث عن عمق الخلاف بين التسويق وتقنية المعلومات حول تبني تقنيات التسويق دعونا نتوقف لبرهة لنحدد أين نعمل؟ نعم، هوة هذا الخلاف في الشركات الصغيرة والمتوسطة بسيطة ويمكن ردمها بسهولة، بينما تتعمق أكثر وأكبر في الشركات الكبرى، ماهو السبب؟ السبب بسيط ولكنه قد لا يكون واضحا، عندما تكبر الشركات تبدأ بأخذ أمور كثيرة في الاعتبار لا تعيرها الشركات الصغيرة والمتوسطة انتباهها، مثل ماذا؟ دعونا نلخص هذه الأمور كالتالي:

  1. البناء أو الشراء؟ عند الحاجة الى أي حل تقني هناك ثلاثة أنواع من الحلول في الغالب:
    • بناء هذا الحل التقني من الصفر داخل أسوار الشركة: وهذا النوع يحسمه غالبا التكلفة والوقت اللازم لتطوير هذا المنتج وصيانته طوال فترة التشغيل.
    • شراء رخصة لهذا الحل وتشغيله من داخل مراكز البيانات (Data Center) لهذه الشركة: وهذا النوع من الحلول يكون أوفر من ناحية التكلفة ويعالج مشكلة الخصوصية والأمن السيبراني.
    • شراء رخصة (الاشتراك) في حل SaaS يقدم عبر الانترنت (Cloud): وهذا النوع في الغالب يكون الأقل تكلفة ولكنه يصطدم باستضافة البيانات عند مزود الخدمة وهو ما يعتبره مسؤولو الخصوصية خرقا لأنظمة حماية خصوصية العميل، ويراه خبراء الأمن السيبراني عقبد لعدم تحكمهم في المقاييس المعتبرة لديهم.
  2. الخصوصية: مع ثورة البيانات وخدمات الـ SaaS ظهرت تشريعات كثيرة لحماية خصوصية بيانات المستهلكين وتقنينها، من المهم للعاملين في حقلي التقنية والتسويق معرفة أشهر هذه التشريعات الموجودة حاليا حول العالم مثل:
    • HIPAA أو Health Insurance Portability and Accountability Act وهو أحد أقدم التشريعات منذ العام 1996 وظهر كتقنين لبيانات الملف الصحي للمواطن الأمريكي ثم انتشر استخدامه في صناعات تقنية أخرى لا علاقة لها بالصحة.
    • GDPR أو General Data Protection Regulation وهو التنظيم الأوروبي لحماية بيانات المستهلكين في أوروبا وللخدمات العاملة هناك وكان محل صراع كبير بين المشرعين والشركات التقنية الأمريكية منذ العام 2018 وحتى الان ويعتبر أحد أكثر الأنظمة والتشريعات صرامة في موضوع الخصوصية.
    • CCPA أو California Consumer Privacy Act وهو تشريع مشابه للـGDPR ويستهدف الشركات الكبرى غالبا او من يحقق أكثر من 25 مليون دولار سنويا.
  3. الأمن السيبراني: أحد أكثر المواضيع سخونة في السنوات الأخيرة ونقطة الخلاف هنا أنك عندما تستخدم خدمة مستضافة لدى مزودها فأنت لا تستطيع التحكم بمعايير الأمان المتبعة، بالمقابل ينصب الجهد على التأكد من أن مقدم الخدمة هذا يطبق معايير تتوافق مع متطلبات الشركات التي تستخدم الخدمة وهنا يظهر كثير من الختلاف لصعوبة ان تقدم ما يلبي كافة معايير الجهات المستخدمة لخدمتك.

الآن بعد أن أشرنا الى أوجه الخلاف الرئيسية، لنعد للتفكير فيمن يهتم لهذه الأمور؟ في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحل الأسهل دائما هو استخدام تقنيات التسويق الجاهزة او الـSaaS لأنها أوفر ماديا وأسرع في اطلاق المنتج وتقديم الخدمة ولأن الخصوصية ليست بعنصر مهم لكثير من هذه الشركات، كما أن مستويات الأمان المقدمة تعتبر أكثر من كافية، بينما في الشركات الكبرى تقف الخصوصية والأمان حجري عثرة أمام استخدام هذه المنتجات لأن معايير هذه الشركات عالية واهتمامها بالخصوصية والأمان مرتفع جدا ومحكوم بضوابط متقدمة، هل هذا الكلام هو رأي أم معلومة؟ لنلق نظرة على تقرير blissfully أحد أشهر مصادر اعتماد الشركات على خدمات الـSaaS للعام 2020:

 

هذا الرسم البياني يقول أنه كلما كبر حجم الشركة كلما قل اعتمادها على خدمات الـSaaS بينما يستخدم موظفو الشركات الصغيرة والمتوسطة اعدادا اكبر من هذه الخطوات وفي ذلك تفصيل كبير في التقرير انصح بالاطلاع عليه وفهمه بالكامل.

لننهي الحديث في هذه التدوينة بسؤال: هل يجب علي كمختص في التسويق وتقنياته أن أكون خبيرا في الخصوصية والأمن السيبراني؟ الجواب هو: لا يجب ان تكون خبيرا ولكن من الواجب عليك أن تفهم الخطوط العريضة لهاتين النقطتين (الخصوصية وأمن المعلومات) حتى تستطيع تقييم واختيار الخدمات المناسبة لمجال عملك، لعملائك، لأنظمة الشركة التي تعمل بها ولتشريعات وتنظيمات السوق الذي تعمل فيه شركتك.