تعرّفت على الكمبيوتر في العام 1995 والانترنت في العام 1999 ومن فرط هوسي بهذا العالم تخصصت في هندسة الحاسب وكنت أتمنى أن أعمل في مجال يضمن أن أظل متصلا بالانترنت معظم اليوم، كانت احلاما قديمة فأغلب الاعمال حاليا أصبحت تتطلب اتصالا بالانترنت، لكن احلامي تطورت لتكون أن أعمل من أي مكان في بيئة لا تتطلب تواجدي في مقر العمل بشكل شخصي.

حول العالم، هناك شركات كثيرة لا تتطلب حضورا شخصيا لمقر العمل، وأذكر قبل عامين اجتماعا مع إحدى الشركات الأوربية الصغيرة المقدمة لخدمة SaaS وكان افراد فريقها موزعين بين بالي في أندونيسيا وفرانكفورت ولندن علما بأن هذه الشركة لا تملك مقرا فعليا، شركة Basecamp أحد أشهر الشركات التي تنتهج العمل عن بعد بشكل كامل منذ قرابة 20 عاما ولكن عدد موظفيها لا يتجاوز 57 موظفا، والأمثلة في هذا السياق كثيرة من ضمنها TopTal شركة التوظيف، شركة InVision رائدة حلول تصميم UX/UI و Automattic الشركة الأم لتطبيق WordPress، أما أكبر الشركات التقنية حول العالم فتنقسم وظائفها الى وظائف تتطلب حضورا شخصيا واخرى تمثل عملا عن بعد.

بشكل شخصي، لا أحب بيئة العمل التي تنتهج نظام المحاسبة بالوقت (حضورا وانصرافا) رغم تفهمي لضرورة هكذا نظام في ظروف محددة، وأفضّل التي تعتمد الانتاجية والعلاقة بين الموظف ومديره المباشر لضبط عملية الحضور وقياس الانتاجية، ومع الظروف القسرية الناتجة عن جائحة كورونا والعمل عن بعد اجباريا لأغلب الحكومات والشركات حول العالم ظهر جلياً أن العمل عن بعد خيارا ليس سيئا كما يبدو، فمددت بعض الشركات حول العالم مثل قووقل وفيسبوك العمل عن بعد الى منتصف العام 2021.

محليا وإقليميا، تقوم الشركات الناشئة بتبني هكذا أنظمة لصغر فريق العمل وسهولة ضبطه ولكن الشركات الكبرى في السعودية والخليج كانت بعيدة جدا عن تبني هكذا أفكار حتى جائحة كورونا على الأقل. في stc حيث أعمل أطلقت الشركة نظام العمل عن بعد في العام 2017 بشكل مبسط جدا يتضمن 3 أيام للعمل عن بعد في كل ربع، وبمجموع 12 يوم في السنة. هذه المبادرة كانت أساسا ممتازا لتجهيز الشركة والموظفين للعمل من خارج المكتب والذي يتطلب 3 أشياء رئيسية:

  • الموظفين (الكفاءات الرقمية): وجود كادر وظيفي قادر على استخدام التقنية للعمل عن بعد بشكل كامل (معرفة باستخدام الايميل، أدوات التعامل الرقمية بين الموظفين، المنصات الرقمية).
  • الإجراءات (المرونة) الرقمية: وجود آليات للعمل الرقمي الكامل لا تتطلب حضورا شخصيا (عدم وجود معاملات ورقية، توقيع إلكتروني) والاستعاضة عنها بتحول رقمي للمعاملات.
  • البنية التحتية: وجود بنية تحتية قادرة على تمكين الموظفين من العمل عن بعد (حاسب محمول – هاتف وانترنت متنقل – انظمة تواصل مرئي ومسموع للاجتماعات).

بعد الجائحة، تبين للقائمين على الشركة أن النضوج أو Maturity وصل مستوى ممتازا وتم اختباره بشكل (إجباري) ومكثف أثناء كورونا وجاءت النتائج أكثر من رائعة، لذا قررت الشركة واستنادا على استراتيجيتها الرقمية تجرأ DARE وما تبنته في هويتها الجديدة في ديسمبر الماضي أن stc الجديدة هي ممكن رقمي فعلي وليس على الورق فقط، أعلنت بالأمس عن سياسة العمل عن بعد بشكل كامل في توجه مفاجيء وجريء، تضمنت هذه السياسة 3 أنواع من الوظائف حسب تقييم الأعمال فيها:

  • العمل عن بعد بالكامل: وظائف لا تتطلب حضورا الى مقر العمل على الاطلاق، سيمكن هذا النوع stc من توظيف كفاءات في مناطق بعيدة عن مقرها الرئيسي، لكفاءات لا ترغب في الانتقال من مدنها الحالية، تخيل أن شابا حديث التخرج في تخصص هندسة البرمجيات من القريات لكنه يريد البقاء بجانب عائلته في أقصى شمال المملكة، أصبح بالإمكان أن ينضم الى stc الان ويعمل من منزله في القريات.
  • العمل عن بعد جزئيا: وظائف تتطلب العمل حضوريا بنسبة 75% والعمل عن بعد 25% أو ما يعادل 60 يوم عمل في السنة، وهذا النوع سيخضع للمراجعة وربما تزاد النسبة بعد التطبيق وإثبات فعالية السياسة الجديدة.
  • العمل حضوريا بالكامل: وهذا النوع يشمل الوظائف التي تتطلب وصولا مباشرا إلى أنظمة حساسة أو تخضع لاجراءات الأمن السيبراني عالية المخاطر ولا يمكن إدارتها عن بعد.

أعترف بأني متفاجيء لقرار الشركة بتفعيل العمل عن بعد ولو بشكل تدريجي ولكنه قرار جريء لشركة بحجم وضخامة stc، هذا القرار يثبت أن توجه الشركة نحو ان تكون الممكن الرقمي رقم 1 في السعودية والمنطقة هو قرار حقيقي وليس دعاية إعلامية، وواحد من ضمن توجهات عدة في هذا المجال، بقي أن حلمي بالعمل عن بعد صيفا من القطب الشمالي وشتاءاً من أعيوج لينة أو جبل اللوز أضحى واقعا.