كثيرا ما أكتب عن الانترنت وعلاقتي معها منذ 21 عاما، لم أكن من جيل الأوائل الذين استخدموا الانترنت عن طريق البحرين، ولم أعرف الانترنت الا بعد دخولها رسميا الى السعودية في العام 1998 تقريبا، وأستطيع القول أنني جربت كل منتج انترنت تم تقديمه للأفراد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، لنعد بالذاكرة:

 

  • دايل أب: بصوت المودم الشهير وذكريات انشاء خط مستقل للانترنت لأن استخدامها يترك الهاتف الثابت مشغولا طوال الوقت في عصر لم يكن الجوال فيه هو وسيلة التواصل الرسمية، لا بد ان نتذكر مودم US Robotics الشهير مع كل ذكر للدايل أب، هذا العصر يشمل أيضا ايزي نت و Dial Back وغيرها، هل يجب أن نتكلم عن السرعة؟ اذا لم تعاصر هذا المنتج فلك أن تتخيل اننا كنا نفتح بعض الصفحات ثم نخرج لساعات بانتظار ان ينتهي تحميلها عند عودتنا، السرعات لم تكن تتجاوز 40 كيلوبت، هل تعرف ما معنى 40؟ يعني ان تحميل ملف حجمه 1 جيجا يستغرق 83 ساعة على افتراض عدم انقطاع الانترنت بتاتا، يعني تقريبا 4 أيام، استخدمت الدايل أب بين الأعوام 1999-2003 تقريبا.

 

  • الـDSL: ظهرت تقنية DSL بشكل تجاري في السعودية عام 2000 (احتاج الى تأكيد) وما تلاها، وصاحبها انتشار واسع فيما بعد نظرا لانتشار الانترنت كوسيلة ترفيه ومن ثم فورة تداول الأسهم عن طريق الانترنت، وكانت السرعات في ذلك الحين ثورية مقارنة باستخدام الدايل أب، اعتقد انها كانت تبدأ من 64 كيلوبت كحد أدنى ثم 128 و 256، أما من يستخدم 512 فهذا كان يشار له بالبنان، لم يكن اشتراك الانترنت رخيصا في ذلك الحين لكن الـDSL كانت مرحلة مهمة جدا في تأسيس جيل السعوديين الانترنتيين، وكان أشهر أجهزته هو مودم SpeedTouch او الكاتل/الكاتيل.

طبعا تطورت السرعات فأصبح هناك 1 و 2 و 4 و 8 و 16 وحتى 50 ميقا، لكن الـDSL يعتمد على الشبكة النحاسية وهي تقنية قديمة فلم تكن مستقرة معظم الوقت لكن لمن استخدم الدايل أب كان الـDSL هو النعيم بعينه. استمر الـDSL حاضرا ولا يزال في بعض المناطق لكن يمكن القول انه اصبح شيئا من الماضي.

  • الـ3G: ظهر الانترنت المحمول باكرا في السعودية، أتذكر اول تجربة لي كانت قبل نزول الايفون في نوفمبر 2006، أي قبل ثورة الأجهزة الذكية باسخدام جهاز PCMCIA على اللاب توب، كانت تجربة لمجرد التجربة وكانت السرعات ممتازة مقارنة بسرعات الـDSL ولكن هذا كان مبررا لعدم وجود مستخدمين كثر في ذلك الوقت، تعاظم استخدام الـ3G مع بدء ظهور الايفون وأجهزة الاندرويد وحقيقة لا يمكنني تذكر السرعات المتاحة في تلك الفترة، اشتهرت أجهزة الكونكت المحمولة في تلك الفترة سواء كانت الراوترات او الدنقل. استمر الجيل الثالث سيد الموقف في السعودية حتى تقريبا 2012 عندما تم تدشين الجيل الرابع بشكل مكثف.
  • الـ4G: مع بداية فورة الشبكات الاجتماعية في العام 2011 تعاظم استخدام الجوال وصار استهلاك الانترنت يحصل في كل وقت وليس مرتبطا بالجلوس امام جهاز كمبيوتر في البيت او العمل، وظهر وقتها الجيل الرابع الذي قدم سرعات عالية مقارنة بما كان متاحا، كما استبدل المستهلكون الـDSL براوترات منزلية للـ4G قدمت سرعات عالية كانت هي بداية المسار الصاعد لاستخدام الانترنت بشكل عام في السعودية على شريحة كبيرة لم تكن تستخدم الانترنت في وقت سابق مثل كبار السن او ذوي الدخل الادنى. سرعات الانترنت على الجيل الرابع كانت تتراوح بين 40 ميقا وحتى 100 ميقا تقريبا، تطورت في السنوات الاخيرة لتصل الى 200 ميقا ايضا في المناطق المغطاة بشكل جيد.

 

وقفة تاريخية:

في الفترة 2015-2016 تصاعد استهلاك الانترنت في السعودية بشكل جنوني ولا يمكن تصديقه، الشعب الأكثر استهلاكا ليوتيوب وسناب شات في العالم مقارنة بعدد السكان، مجموع البيانات التي يتم تمريرها على شبكات الجوال في السعودية فقط هي أعلى مما يحدث على شبكات فودافون في 21 دولة، كان الوضع جنونيا وغير قابل للاستمرار حتى جاءت الرؤية في أبريل 2016، ولكن ما علاقة الرؤية بسرعة الانترنت؟

تتمحور رؤية السعودية 2030 حول 3 محاور (مجتمع حيوي – اقتصاد مزدهر – وطن طموح)، يتفرع منه برامج متعددة أبرزها برنامج التحول الوطني وهو المهم في هذا الصدد، لبرنامج التحول الوطني 8 أبعاد، السابع منها “الإسهام في تمكين القطاع الخاص” يواجه عدة تحديات أحدها “عدم ملاءمة البنية التحتية الرقمية لتطلعات رؤية ٢٠٣٠” ولهذا جاء أحد أهدافه الاستراتيجية كالتالي:

  • الهدف الاستراتيجي رقم 2.3.3 تنمية الاقتصاد الرقمي: تطوير اقتصاد رقمي متقدم يعمل بشكل رئيسي من خلال التقنية الرقمية، وخاصة التقنيات المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة، ودعمه بالابتكارات، بما يسهم في تنمية الاقتصاد.

وكان أحد أهدافها هو: رفع انتشار وسرعة الإنترنت في جميع مناطق المملكة بتسريع نشر البنية التحتية وتحسين الخدمات.

أما مؤشرات قياس نجاح هذا الهدف فهي:

  • رفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 2% في 2016 إلى 3% بحلول عام 2020.
  • ترتيب المملكة العربية السعودية في مؤشر الجاهزية الشبكية المصدر ((Network Readiness Index

وانبثقت منها هذه عدة مبادرات ما يتعلق فيها بجودة الانترنت هي:

  • تحفيز الاستثمار في نشر شبكات الألياف الضوئية في المناطق الحضرية: تهدف المبادرة إلى تسريع نشر شبكات الألياف الضوئية في المناطق الحضرية على مستوى المملكة من خلال تقديم الدعم للمشغلين لنشر شبكات الألياف الضوئية.
  • تحفيز الاستثمار في نشر خدمات الاتصالات وخدمات النطاق العريض اللاسلكية في المناطق النائية: تهدف المبادرة إلى رفع تغطية خدمات الاتصالات والنطاق العريض في المناطق النائية من خلال تقديم الدعم للمشغلين لزيادة النطاق العريض اللاسلكي في المناطق النائية

ماذا نتج عن هذه المبادرات؟ تقنيات وحلول جديدة نستعرض منها:

  • الألياف الضوئية: بدأت في العام 2009 تقريبا بنطاق محدود جدا في المدن الرئيسية وأخذت سرعات الانترنت الى أرقام خيالية حتى 200 ميقا، وفي العام 2017 انطلقت مبادرة نشر شبكات الالياف الضوئية مستهدفة الوصول الى مليوني منزل في السعودية عبر ضخ ما يقارب 15 مليار ريال للاستثمار في البنية التحتية، هذه المبادرة تجاوزت ماهو مستهدف لها ووصلت الى 3.5 مليون منزل، ثم تفرع منها مبادرة الوصول المفتوح “Open Access” وهو ما يمكن المستهلك من الاشتراك مع أي شركة مقدمة للخدمة بغض النظر عن الشركة المالكة للشبكة الواصلة الى المنزل لتعزيز خيارات المستهلك. خدمة الفايبر او الألياف الضوئية هي دايما خياري الأول للسرعات العالية التي تقدمها ولاستقرار الخدمة وثباتها بشكل دائم.

 

  • الجيل الخامس: رغم أنه بدأ بشكل خجول في العام 2019 إلا أنه كشر عن أنيابه في العام الحالي، استثمارات كبيرة من مشغلي خدمات الجوال في السعودية وضعت المملكة في المركز الأول عالميا لسرعات هذا الجيل، تجربتي له خلال الأشهر القليلة الماضية تطورت بشكل متسارع فمن سرعات بحدود 300 ميقا أصبحت قادرا هذه الأيام على تجربة سرعات وصلت الى 1.4 جيجا، نعم، في السعودية أصبح بإمكاني تجربة ما كان حلما في وقت مضى، ما كنا نسمع انه متاح في كوريا الجنوبية أو فنلندا أصبح متاحا هنا في الرياض.

ختاما، كمستخدم عاصر جميع خدمات الانترنت في السعودية، أعتقد أننا نعيش عصرها الذهبي، صحيح أن بعض الخدمات لم تصل الى كافة مناطق المملكة ولكني متفائل ان ما بدأه وأنجزه برنامج التحول الوطني سيستمر باستثمارات مشغلي الاتصالات في السعودية نحو تقديم خدمات البنية التحتية الرقمية لكل مدن وقرى المملكة، هذه القفزة في خيارات المستهلك البسيط هي لبنة أساسية نحو بناء اقتصاد رقمي يساهم في الناتج المحلي ويولد وظائف ويحافظ على بقاء الأموال في دورة اقتصادية محلية بدلا من تصديرها الى اقتصاديات أخرى، وما كان يبدو ترفا في الماضي أثبتت جائحة كورونا أنه ضرورة وطنية قصوى، فجاهزية المملكة رقميا سهلت كثيرا موضوع العمل عن بعد والتسوق الالكتروني أثناء الحظر الكامل والجزئي والتعليم عن بعد في الوقت الحالي، وقبل أن أنهي هذه المقالة لا بد من الإشارة الى كلمة سمو سيدي ولي العهد الأخيرة حول القطاع الرقمي والتي تؤكد على أن البنية التحتية الرقمية ستكون دائما أحد محاور الرؤية الرئيسية ورهانها نحو “رفع حصة الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي“:

“”حققت المملكة العربية السعودية المركز الأول في التنافسية الرقمية على مستوى دول مجموعة العشرين في الثلاث السنوات الماضية، وقفزت 40 مركزاً في مؤشر البنية التحتية الرقمية للاتصالات وتقنية المعلومات. ووضعنا استثمارات تجاوزت 55 مليار ريال في البنية الرقمية للمملكة، ما نتج عنها رفع مستوى متوسط سرعة “الإنترنت” حتى أصبحنا الدولة الأولى في سرعات الجيل الخامس، ومن ضمن الدول العشر الأولى عالمياً في سرعات “الإنترنت” المتنقل بعد ما كنّا خارج قائمة أعلى 100 دولة. وضاعفنا عدد المنازل المرتبطة بشبكة الألياف الضوئية 3 مرات من مليون منزل إلى من 3.5 مليون منزل. هذا التحول الرقمي الفريد من نوعه عالمياً مكننا من استمرار العمل لأكثر من 94% من الجهات الحكومية والقطاع الخاص في أثناء الجائحة، ورفع نسبة توطين الوظائف في القطاع إلى 50%“.”