مقدمة:

عطفا على المقولة الشهيرة “لكل مقام مقال”، يمكننا القول ان شخصيتك مع أسرتك، مختلفة عن شخصيتك مع أصدقاءك، مختلفة عن شخصيتك مع زملاءك في العمل، وهذا طبيعي ومتوقع نظرا لأننا نتعامل مع محيطنا الخارجي حسب الظروف المحيطة. وأجد ذلك متناغما مع نموذج العالم الكندي Eric Berne المسمى (The PAC: Parent-Adult-Child model) وهو أحد مخرجات نظريته الشهيرة بالتحليل التفاعلي/التعاملي (Transactional Analysis) والتي تنص ببساطة على أن شخصياتنا دائما واحدة من 3 شخصيات لا أكثر: أبوية (Parent) – بالغة (Adult) – طفولية (Child).

بعد هذه المقدمة البسيطة لندخل إلى صلب الموضوع، تعاملك ووجودك على الانترنت يخلق لك شخصية معينة، هذه الشخصية تتكون لدى من يتقاطعون معك على الانترنت، مع من يقرأون ما تكتب، يسمعون ما تقول، يشاهدونك في فيديوهات، هؤلاء المتلقين للمحتوى الذي تنشره هنا وهناك سيكون لهم تصور واضح عن شخصيتك وسينسجون صورة خيالية وقودها هو ما تقدمه لهم، بعض هؤلاء الناس هم أصدقاء أو زملاء يتقاطعون معك في الحياة الواقعية ولديهم تصور أفضل عن شخصيتك، والغالبية العظمى لا يعرفونك الا من خلال ما تقدمه لهم على الانترنت.

لماذا نتكلم في العموميات بينما حديثنا موجه للحضور التخصصي (الاحترافي – Professional – ماله علاقة بتخصصاتنا ومجال عملنا)؟ لأن الصورة النمطية لا تفرق بين الجانب الشخصي والجانب التخصصي، وانما تمزج الاثنين لتخرج لنا صورة موحدة، هل تريد مثالا على ذلك؟ كم من شخص تأثر قرار توظيفه في مكان ما بسبب وجود صورة نمطية عنه على الانترنت كرسها وجوده وحديثه في جوانب شخصية ومواضيع عامة مع أنه متمكن جدا من مجاله التخصصي، وأثر ذلك سلبا في صانع القرار لأنه اكتشف جوانب أخرى من شخصية هذا المرشح أفضت إلى عدم اختياره.

 

الحضور التخصصي X الحضور الشخصي، ما الفرق؟

الحضور التخصصي هو الحديث على الانترنت عما له علاقة بتخصصك ومجال عملك وما تبرع فيه، أما الشخصي فهو الحديث عما سوى ذلك من مواضيع عامة، وفي كلا الحالتين التفاعل مع ما يطرح ويتداول في الانترنت يكرس شخصيتك واسلوبك ويبني صورة نمطية عنك.

هل هذا يعني أنه يجب علينا الاكتفاء بحضور تخصصي فقط وتجنب الحضور الشخصي؟ لا أحد يمكنه الإجابة عن هذا السؤال سواك، هناك أناس يحددون تواجدهم على الانترنت بالتخصصي فقط نحو هدف واضح وهو بناء صورة نمطية عنهم أنهم مهتمون بهذا المجال، بارعون فيه، متابعون لمستجداته، لهم اراؤهم الخاصة حول تطوراته، ينظر لهم بأنهم من مجتمع هذا التخصص على الانترنت. أناس آخرون إضافة الى حضورهم التخصصي، يشاركون في مواضيع عامة، رياضية كانت أم اجتماعية ويطرحون رؤاهم الشخصية حول تلك المواضيع، فتتضح مع مشاركاتهم توجهاتهم وما يؤمنون به حول قضايا معينة. الجزء الاخير من الناس هم من يختارون الجانب الشخصي فقط ويعزلون حياتهم التخصصية عن الانترنت بالكامل. لذا يجب أن يكون السؤال هو: ما الهدف من مشاركاتي على الانترنت؟ هل هو بناء صورة تخصصية تزيد من قيمتي السوقية في مجالي أم أنني أشارك على الانترنت بغرض المتعة؟ اجابتك على هذا السؤال ستحدد استراتيجية مشاركاتك على الانترنت بشكل عام.

 

الحضور التخصصي على الانترنت، نصائح عامة:

لصورتك النمطية التخصصية التي تشكّلها على الانترنت قيمة كبيرة، قد تضعك خيارا أولا لفرصة وظيفية عظيمة، فلا تهون من قيمة هذا التواجد وفكر مليا في كيف تدير صورتك التخصصية على الانترنت، سأسلط الضوء في هذه التدوينة عن ممارسات عامة هي نتاج قراءتي لسنوات حول هذا المجال وبعض مما اكتسبته بالممارسة والخطأ.

  • قبل أن تكتب حرفا واحدا حول مجالك التخصصي على الانترنت:
    1. لا تكتب لمجرد الكتابة، ولا تشارك لمجرد المشاركة، انتق مواضيعك بعناية واختر معاركك بعناية أكبر، ليس من الضرورة ان تتواجد وتشارك بشكل يومي، شارك واكتب فقط عندما يكون لديك إضافة حقيقية.
    2. تأكد من أنك مؤمن بما تكتب، لا تكتب شيئا لمجرد ارضاء المتلقين، الايمان بما تكتب والفهم العميق له هو جوهر المحتوى الجيد.
    3. من تدوينة سابقة: “الناس ليسوا سواسية في آداب الحوار، منهم المتعلم الخلوق والمتعلم الجاهل، والجاهل الخلوق والجاهل الجاهل، ولكلٍّ طريقته وأسلوبه في الحوار والرد، هكذا خُلقنا متفاوتين، فلا تحزن عندما تصلك ردود وقحة، أو جافة، أو لما يفتقد لأبسط أبجديات الحوار، هناك من يناقش للحصول على الفائدة وهناك من يناقش لتخطأتك وآخرون يناقشون لمجرد الجدل، معرفتك بهذا مسبقا يعطيك مناعة طبيعية من التأثر باختلاف مسالك الناس في حواراتهم، والشبكات الاجتماعية خير دليل، لذا يقال دائما Get a Thick Skin وهو تعبير يحث على عدم الاكتراث بالتعليقات الخارجة عن السياق، وهي مهارة تتطور مع الوقت ويتفاوت الناس بحسب حساسيتهم في بناء مثل هذه المهارة.”
  • عن الأفكار التي تستحق المشاركة حول مجال تخصصك:
    1. شارك في المواضيع التي تتقنها، ناقش الأفكار ذات العلاقة المباشرة بتخصصك.
    2. تأكد أن الفكرة جيدة لشريحة معينة من المتلقين، سواء كبرت ام صغرت تلك الشريحة، كلما تخصصت الفكرة كلما قل عدد المهتمين بها وهذه سمة العلوم، الأفكار العامة تناسب شريحة أكبر أما التخصصية فتنحصر في مجموعات أصغر بكثير، فهم شريحتك المستهدفة ضروري نحو صياغة فكرة أفضل.
    3. تفكّر في الهدف من مشاركتك في كل مرة، هل هو النقاش مع ذوي الاختصاص، أم تعزيز صورتك التخصصية، أم خليط منهما. تحديد الهدف يساعدك كثيرا في صياغة هذه الفكرة الى محتوى يمكن مشاركته على الانترنت.
  • تم اختيار الفكرة، كيف أصيغ المحتوى:
    1. المنصات: مشاركة المحتوى التخصصي يكون غالبا على لينكدان، تويتر، يوتيوب او مدونات شخصية.
    2. اللغات: يمكن مشاركة المحتوى باللغة العربية او الانجليزية او بنسختين بحسب المنصة.
    3. الصيغة: المشاركات التخصصية القصيرة غالبا ما تكون على شكل تغريدة في تويتر، منشور على لنكدان، اما المطولة فتكون على المدونات الشخصية أو على مقالات لينكدان.
    4. المحاذير: تنبه الى سرية المعلومات إذا كنت تشارك معلومات عن مكان عملك، تجنب نشر صور قد توضح معلومات سرية مثل صور الشاشات التي قد توضح نظاما مستخدما في مكان عملك، استشر فريقا داخليا اذا لم تكن متأكدا، ودائما كن فخورا لا مغرورا، متواضعا وخصوصا عند الحديث عن انجازاتك التخصصية.
  • النشر، متى وأين أنشر محتواي التخصصي؟
    1. أُفضِّل نشر المحتوى التخصصي على تويتر، لينكدان، والمدونات الشخصية، لا أجد انستغرام، تيك توك او سناب شات منصات ملائمة.
    2. عندما تنشر للمرة الأولى محتوى تخصصيا قد تواجد بهجوم بسبب مكان عملك، كن هادئا ولا تكترث، هذه محاولات استفزاز وعندما لا تجد ردة فعل منك غالبا ما تخبو.
    3. تجنب الرد على المشاركات خارج السياق، أشياء مثل: “خلك في الجافا وش عرّفك بالسيكيورتي”.
    4. لا تناقش مواضيع عملية داخلية او خلافات على الانترنت، هذا ليس المكان المناسب بتاتا ويعطي صورة سيئة عنك في نقل مشاكل المنظمة خارجها.
    5. قد تبذل جهد كبيرا في بناء محتوى تخصصي ويمر دون أي تفاعل، وقد تنشر محتوى مقتضبا وتطير به الركبان، كن هادئا في الحالتين، فالتواجد التخصصي يتطلب نفسا عميقا ومدة طويلة، وهي ليست مسابقة في الأخير.
    6. الكتابة عامة والتخصصية منها عبارة عن تمرين، كلما كتبت أكثر كلما تحسنت قدراتك ومهاراتك في ايصالك أفكارك، استشر اصدقاءك وزملاءك حول ما تكتب قبل نشره، رأيان أفضل من واحد بكل تأكيد.
  • عن التفاعل مع المحتوى التخصصي:
    1. قد تعيد نشر محتوى تخصصي أعجبك، لا بأس، ولكن حاول أن تضيف رأيك حول الموضوع، أشياء اعجبتك، اسئلة طرأت في ذهنك، لا تكتف بنشر المحتوى كما هو دائما، حاول أن تضيف لمستك الخاصة، تعليقك، تحفظك او ما استرعى انتباهك.
    2. تفاعل مع المحتوى الذي يطرحه الآخرون في مجالك التخصصي، أبدِ وجهة نظرك باحترام ودون التقليل من الطرف الاخر، ناقش الفكرة لا المفكر.
  • عن العلاقة بين محتواك التخصصي ومكان عملك:
    1. بكل تأكيد انت موظف في مكان ما بسبب تخصصك، حديثك عن التخصص قد يكشف معلومات عن مكان عملك، عن طرق أداء الأعمال، عن الأنظمة المستخدمة، عن معلومات سرية، كن حذرا في هذا الجانب، ناقش الأفكار بعمومية دون الإشارة الى ما يخص عملك، عندما تكون في حيرة استشر قسم التواصل في منظمتك.
    2. الاشارة الى انجازاتك، الشهادات التي تحصل عليها، عمل جيد ويبين مدى حرصك على التعلم المستمر، المشكلة عندما يكون محتواك فقط هو جمع هذه الشهادات دون أي إضافة تمكنني كمتلقٍ من تكوين صورة نمطية عنك، كثيرون لا يهتمون بالشهادات ولكن خبرتهم التخصصية واضحة من المحتوى الذين يشاركونه على الانترنت، لكن الحصول على شهادات متعددة دون أن تطرح رأيا أو تناقش فكرة قد يضع حولك علامة استفهام، فكن على حذر.