لن أتكلم عن الوضع قبل 50 عاما ولكن وحتى وقت قريب قبل 15 أو 20 عاما ستكون محظوظا إذا تخرجت من المرحلة الثانوية وكان لديك قريب ضمن شبكة علاقاتك يمكنه توجيهك مهنيا سواء في اختيار التخصص الجامعي أو بعد التخرج نحو أفضل الأماكن الوظيفية أو توجهات سوق العمل. تخصصت في هندسة الحاسب الالي ظنا مني أن هذا هو الكومبيوتر والحوسبة التي أحبهما، ورغم امتناني للتجربة بالدراسة في صرح عملاق مثل جامعة البترول إلا أنني لا أعمل في مجال تخصصي الآن لأنني اكتشفت متأخرا أن ذلك لم يكن له علاقة بما أحب.

هذه التجربة ألقت بظلالها علي فأصبحت مهتما بتوجيه من حولي وفق معرفتي البسيطة، بداية مع شقيقي الأصغر محمد والذي كان يرغب بدراسة الطب ثم توجه الى الصيدلة، كنت أؤمن دائما ان حديثا لمدة ساعة أو أقل ربما يغير مستقبل ناشيء ويفتح عينيه على أشياء سيحتاج الى سنوات ليعرفها، قليل من التوجيه يكفي لاتخاذ قرارات صحيحة تختصر سنوات من اعمارنا الوظيفية. أنا شخصيا في مرحلة لاحقة من حياتي الوظيفية كنت محظوظا بوجود أشخاص وجهوني ونصحوني كثيرا في قرارات مصيرية، مثل تغيير مساري الوظيفي من الهندسة الى الأعمال، سأظل ممتنا لهم ما حييت وأشكر فضلهم لمشاركتهم خبرتهم ومعرفتهم معي في مرحلة مبكرة بعض الشيء.

تغير الوضع حاليا وفتحت الانترنت مجالا أكبر لمشاركة المعلومات ممن سبقونا في المجال الوظيفي كما أن الجهود الحكومية تضاعفت وقامت الجامعات بدور كبير للتسويق للتخصصات الجيدة وسلطت الضوء اكثر على تفاصيلها ومستقبلها، لكن الجهود كانت تفتقد للتوجيه الذي يمكن تقديمه من قيادات وطنية تتسنم مراكز قيادية في المملكة حتى أسس عبدالرحمن طرابزوني مبادرة Project1932

هدف المبادرة باختصار هو ربط من يحتاجون الى التوجيه بمن يوجههم ويساعدهم في اتخاذ قرارات صائبة ويبني جيلا من القيادات الناشئة في المملكة، تبدو الفكرة جميلة لكن التطبيق قد يكون صعبا خصوصا من القيادات الذين تزدحم جداولهم بعدد لا متناهي من الالتزامات، لم الاستعجال في الحكم؟ قررت مع اطلاق المبادرة أن أكون جزءا منها فسجلت كأخ أكبر وبدأت أتابع ما يطرح حولها من اراء، تخيل ان تكون في اخر سنة جامعية او حديث التخرج ومرشدك المهني هو وزير او رئيس تنفيذي لشركة كبرى؟ تم اختيار أخ أصغر وقام فريق المبادرة بتقديمنا لبعضنا، لتبدأ رحلة الارشاد، ولعلي هنا أسلط الضوء قليلا على هيكلية هذه الجلسات وطريقة العمل خلال فترة 6 أشهر من الارشاد:

  •     كافة الجلسات كانت اونلاين/مكالمات هاتفية، أسرع وأسهل في التنسيق.
  •     أول الجلسات كانت تعريفية من الطرفين، من المهم معرفة الطرفين لبعضهم بشكل عام ليتسنى معرفة جوانب الفائدة التي يمكن للمرشد تقديمها، مثل مجال عمله الحالي وخبرته في قطاعات سابقة وتخصصه الجامعي، كما يمكنه معرفة المزيد عن الأخ الأصغر ليضع الأمور والتوجيه في نطاق محدد ومفيد.
  •     الجلسات اللاحقة كانت تبنى بطريقتين: إما أن أجهز موضوعا للحديث حوله أو أن يتقدم الأخ الأصغر بموضوع أو أسئلة يرغب بمعرفة المزيد حوله.
  •     في أحيان متعددة لا يكون لدي إجابات لكل شيء، أبحث وأقرأ وأحاول ان أستفيد أولا من أسئلة الأخ الأصغر ومنظوره للأمور، ربما اتصل بصديق أو أوجه الأخ الأصغر للتواصل مع شخص معين ليفيده أكثر حول هذا الموضوع.
  •     أشارك باستمرار عبر الواتساب او الايميل مع الأخ الأصغر مقالات او تدوينات او دراسات قرأتها ولها علاقة بالمواضيع التي نتحدث حولها.

انقضت الدورة الأولى من المبادرة بسرعة بالغة، كان التنسيق ممتازا والحرص والاهتمام من الأخ الأصغر للتعلم كبيرين، لدرجة شجعتني على الاستمرار في المبادرة في دورتها الثانية، وتخصيص المزيد من الوقت للقيام بالتوجيه والإرشاد خارج اطارها أيضا متى ما سمح وقتي بذلك. سعيد جدا لرؤية مثل هذه المبادرات تكبر وتزدهر ويشارك فيها المزيد في كل دورة، لأن ذلك سيكون بلا شك رافدا مهما نحو تجهيز جيل جديد يواصل مسيرة الرؤية ونماء وطننا المملكة العربية السعودية.