تمهيد:

قبل أن نخوض في بحر التطبيقات العملاقة لنعد خطوة إلى الوراء ونتأمل حول ماذا يقتتل اللاعبون الكبار في سوق الانترنت غالبا؟ الجواب هو الوقت والقوة الشرائية، لنستخدم هذا التعريف في مثال ليكون أوضح للمتلقي: لنفترض أن عدد مستخدمي الانترنت حول العالم هو 100 شخص، قوتهم الشرائية متماثلة، يقضون 8 ساعات على الانترنت، نصيب كل من قووقل/فيسبوك/سناب/تيك توك هو ساعتان لكل تطبيق، هذا يعني أن Share of audience Attention هو 25% لكل منصة من الوقت المتاح للمستخدمين على الانترنت، يلي ذلك كيف تقوم المنصة بتحويل الوقت المستنفذ من مستخدميها الى عائد تجاري، سواء عن طريق الإعلانات او الاشتراكات او العمولة او ماسواها.

لنعد صياغة المثال أعلاه بطريقة أخرى، ذات الـ100 شخص ولكن نصفهم مصنفون على أنهم ذوو قوة شرائية عالية بينما النصف الاخر ذوي قوة شرائية متوسطة، يستهلك ذوو القوة الشرائية العالية وقتهم على الانترنت في منصتي قووقل وفيسبوك بشكل متعادل، بينما ذوو القوة الشرائية المتوسطة يستهلكون اوقاتهم على الانترنت بين سناب وتيك توك، لا يزال Share of audience Attention هو 25% لكل منصة ولكن العائد التجاري الذي حصلت عليه قووقل وفيسبوك أعلى مما حصل عليه سناب وتيك توك بسبب استئثارهم بالشريحة ذات القوة الشرائية العالية.

قم بتطبيق المثال أعلاه على العدد الحقيقي لمستخدمي الانترنت أيا كان بالمليارات، ومعدل ما يقضونه من ساعات، ومتوسط قوتهم الشرائية عطفا على بلدانهم، لتخلص الى أجوبة أكثر دقة تخولنا الحديث عن التطبيقات العملاقة وسبل الاستفادة منها.

تعريف:

ماهو التطبيق العملاق؟ باختصار هو تطبيق يقدم خدمات مختلفة لا ترتبط ببعضها بشكل مباشر، مثل (محادثة مباشرة أو شبكات إجتماعية + خدمات مالية + نقل الركاب + توصيل الأطعمة + الترفيه + التسوق على الانترنت).

لنضف تعريفا جديدا ذو شقين لكل خدمة يقدمها التطبيق العملاق: مرات الاستخدام + العائد المادي، ثم نلقي نظرة أخرى:

  • المحادثة المباشرة والشبكات الاجتماعية: استخدام متكرر جدا + عائد ضئيل أو صفر.
  • خدمات مالية: استخدام متوسط (يومي) + عائد متوسط
  • نقل الركاب: استخدام منخفض (كل عدة أيام) + عائد متوسط
  • توصيل الأطعمة: استخدام متوسط (يومي) + عائد عالي.
  • الترفيه: استخدام متكرر + عائد منخفض
  • التسوق على الانترنت: استخدام منخفض + عائد عالي.

لماذا نركز على مرات الاستخدام والعائد من كل خدمة؟ لأن التطبيقات العملاقة تبنى على ركيزة أساسية واحدة: قدم خدمة وحيدة متكررة الاستخدام (كل دقائق او ساعة مثل واتساب) ولو كان عائدها المادي صفر، واستخدم قاعدة المستخدمين الكبيرة لتقديم خدمات أخرى قد لا يحتاجونها بشكل متكرر ولكن عائدها المادي متوسط او عالي (مثل نقل الركاب او توصيل الأطعمة او الشراء من الانترنت)، لأن تكلفة الاستحواذ على العميل لاستخدام الخدمات الأخرى تساوي صفرا بحكم انه مستخدم حالي للخدمة متكررة الاستخدام.

تاريخيا:

أمثلة التطبيقات العملاقة محدودة حول العالم، أشهرها تطبيق WeChat الصيني وإن كنت لا أراه مثالا ناجحا لأنه لم يصل الى ما وصل إليه في سوق حر ومفتوح وإنما ساعده الحجب الصيني لكثير من المنصات العالمية والدعم الحكومي اللامحدود.

ثم تطبيق Gojek الاندونيسي بعدد 38 مليون مستخدم نشط شهريا، يليه تطبيق Grab الماليزي/السنغافوري والذي يعمل في عدة دول ويستخدمه 24 مليون مستخدم نشط شهريا.

والأمثلة في الشرق الاسيوي كثيرة مثل هذا التطبيق الصيني لتوصيل الأطعمة الذي قفز الى سوقي حجز الفنادق وتأجير الدراجات عملا بقاعدة تكرار الاستخدام والهامش العالي:

بعد هذه المقدمة والتعريف والأمثلة التاريخية، يقفز السؤال الشهير: لماذا لم ينجح الغرب في صناعة تطبيق عملاق بينما نجحت أسواق أقل نضجا في ذلك؟ قبل أن نطلق الحكم دعونا نتفكر حول ماذا تتمحور التطبيقات العملاقة؟ أليست حول النمو والاستفادة المادية؟ هل التطبيقات الغربية (تطبيقات قوقل وفيسبوك وتويتر وسناب) بحاجة الى نمو؟ لنعد صياغة سؤالنا حول الشركتين القادرتين فعلا على صناعة تطبيق عملاق وهما قوقل وفيسبوك، تطبيقاتهم الحالية يستخدمها اغلب مستخدمي الانترنت حول العالم فالنمو فعلا ليس اولويتهم وانما تنمية العائد من عدد المستخدمين المهول على شبكاتهم وتطبيقاتهم، فلماذا يخاطرون بجمع كافة مستخدميهم في تطبيق واحد بينما لا يزالون قادرين على تنمية العوائد أولا، وتفريق خطر توقف النمو عن احد تطبيقاتهم باستخدام تطبيقات متعددة (قوقل: محرك البحث – يوتيوب – متجر التطبيقات – نظام أندرويد) و (فيسبوك: فيسبوك – انستغرام – واتساب – ماسنجر)، ناهيك عن تصريحات ايلون مسك المتكررة بعد استحواذه على تويتر نحو تحويله الى تطبيق عملاق.

تحكم السوق الغربي والأمريكي تحديدا بمفاصل الانترنت من حيث (أنظمة التشغيل – متاجر التطبيقات – التطبيقات واسعة الانتشار) تعطيهم أفضلية في عدد المستخدمين المخيف والنمو المطرد دون الحاجة الى التفكير في بناء تطبيق واحد عملاق، مع ان التفكير في بعض التحركات توحي لك أنهم يفعلون ذلك بشكل بطيء وغير مباشر، أمثلة ذلك: (تطوير قوقل لتطبيق قوقل ماب ليكون منصة اجتماعية تحتوي تقييما وتجارة الكترونية ونظام Gamification and Ranking للمستخدمين بعيدا عن الهدف الأساسي وهو تطبيق الملاحة، وفي حالة فيسبوك التحالف الشهير مع شوبيفاي لتمكين التجارة الالكترونية داخل تطبيق فيسبوك، والدفع والخدمات المالية في واتساب لبعض الأسواق)، وهذا يعطينا انطباعا عن نية لتكبيل المستخدمين داخل هذه التطبيقات بقيمة مضافة أكبر تضمن عدم تسربهم الى تطبيقات أخرى وتمنحهم تجربة مستخدم أفضل.

ماذا عن السوق المحلي؟ هل من أمثلة على تطبيقات عملاقة في المملكة او في المنطقة من حولنا؟ هناك محاولات بدأت من تطبيق كريم لكني أعتقد ان استحواذ أوبر على كريم ابطأ من التركيز على هذا الهدف، تطبيق جاهز في حراك مستمر لا يمكن إغفاله نحو تنويع مصادر دخله بعيدا عن توصيل الأطعمة، مصرف الراجحي يحاول جاهدا بعد الهوية الجديدة أن يكون Life Style App بأن يستخدمه العملاء بشكل يومي وبعيدا عن عملياتهم المالية ولكن للحصول على خصومات أو نقاط.

هل أنا متفائل بوجود تطبيق عملاق سعودي يمتد الى المنطقة من حولنا؟ نعم، لكن ذلك لن يكون سهلا بكل تأكيد، وأي تطبيق عملاق يجب أن يبدأ بخدمة “متكررة الاستخدام” وهذه الخدمة يجب أن تكون جديدة ومبتكرة ومن الـBlue Ocean وليست على غرار تطبيق “محادثة مباشرة” تدخلك في صراع مباشر مع واتساب لن تكسبه بسهولة.