مقدمة:

الحديث عن التربية طويل وذو شجون، يمر به الجميع على إحدى ضفتيه، مررت به على ضفة من يخضع للتربية طفلا ثم صبيّا ثم فتىً ثم شابا ثم رجلا، إذ لا يزال الاباء والأمهات ينظرون الى أبناءهم وبناتهم بعين الشفقة التي تستدعي توجيههم نحو الأفضل وتقويمهم نحو جادة الصواب، وعلى الضفة الأخرى في رحلتي لتربية أطفالي، هذه التدوينة التي تأخرت كثيرا لأن الكتابة عن تربية الأطفال (1-9 سنوات) تقع دائما بين سندان العاطفة ومطرقة العقل، نحو تحديد الأفضل لهم وتجنب القسوة عليهم أو حرمانهم، مشاعر مختلطة تتذكر فيها فضل والديك عليك وعلى إخوتك، فضلٌ قرنه العزيز الحكيم بالدعاء لهم جزاء التربية “وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا“، فاللهم احفظ الأحياء منهم وارحم من توفيتهم إليك.

الحديث أدناه موجه للآباء والأمهات ممن يكابدون في سبيل تنشئة أطفالهم في عصر لم يعد التلفزيون او زملاء المدرسة هم نوافذ اطفالنا على العالم، بل إن تعبير “العالم قرية صغيرة” هو دقيق جدا بما نعيشه اليوم، على الانترنت يمكن لطفلك الحديث مع أي أحد والتأثر من الآخرين ايجابا وسلبا عبر شاشة صغيرة لهاتف ذكي أو جهاز لوحي، بحر متلاطم من المعلومات والرسائل يشكّل شخصيات أبناءنا شئنا ذلك أم أبينا، فهل نحن مستعدون لذلك؟ أم أن حرمان الأبناء من هذه الأداة العظيمة التي غيرت وجه التاريخ سيكون هو الحل؟ لنكتشف.

قصة قصيرة:

في العام 2011 اشتكت لي أختي الكبرى من إدمان أطفالها على اليوتيوب، ورغم المراقبة والتأكد من المحتوى الذي يشاهدونه إلا أن العملية متعبة للغاية، وطلبت مني بحكم أنني “خبير الديجيتال” للعائلة أن أطور حلا لهذه المشكلة، ذهبت مشكلتها أدراج الرياح وشغلتني الدنيا حتى رزقت بطفلي بعد هذه القصة ببضع سنوات وما إن بدأ بمشاهدة اليوتيوب كسائر الأطفال حتى بدأت أحس بالجمرة التي كانت تحملها أختي، ماذا يشاهد طفلي؟ هل هو في مأمن من المحتوى الذي يتعرض له؟ دوامة من الحيرة والاسئلة اللا نهائية.

هذه القصة تتحدث عن منصة واحدة وغيرها كثير، وبالتأكيد يشكل العمر عنصرا مهما في معرفة ما يتعرض له الاطفال من محتوى، فقد يكونوا مستهلكين في مرحلة مبكرة بمشاهدة الفيديوهات فقط ولكن قد يستخدمون الشبكات الاجتماعية في وقت لاحق، غني عن الذكر ان كافة هذه المنصات تحدد عمرا أدنى لمستخدميها ولكن ومن تجربة لا أحد يتقيد بذلك، ويشكل ضغط المجتمع او “النظراء والقرناء” من الأطفال حاجزا نحو منع الاطفال من استخدام هذه المنصات.

هذه الحادثة دعتني الى التفكير في حل للمشكلة، نتج عنه تطبيق Tuby من stc الذي كنت محظوظا أنه توافق مع إسهام الشركة نحو المجتمع من خلال استراتيجية الاستدامة فتم تطويره ونشره مجانا للجميع، هذا التطبيق ببساطة يستعرض قنوات أطفال محددة لليوتيوب، يمكن للوالدين القبول بها كلها او تحديد ما يناسب طفلهم فقط، كما يمكنهم اضافة قنوات ليس متاحة في مكتبة تيوبي الاصلية، أي أن هذا الحل لم يقرر بالنيابة عن الوالدين ماذا يناسب أطفالهم لكنه عالج المشكلة الكبرى وهي المحتوى غير اللائق وقدم حلا تقنيا وأداة تساعدهم في تربية أبناءهم وفق شروطهم ومعاييرهم الخاصة.

ثقافة الوالدين:

عن أي ثقافة نتحدث؟ عن الالتزام بالتعلم الذاتي للأدوات التي تساعدهم على استخدام الانترنت لأطفالهم بالشكل الصحيح، هل نطلب من الوالدين أن يصبحوا مبرمجين أو مطوري حلول تقنية؟ لا، على الإطلاق، على الوالدين أن يتسلحوا بالعلم لمواجهة هذا الطوفان، عليهم تثقيف أنفسهم باستمرار عن الحلول التي يمكنها مساعدتهم في ضبط وتقنين استخدام ابناءهم وبناتهم للأجهزة الذكية وشبكة الانترنت، قد يبدو الحديث هنا معقدا وصادما، الكثير من الآباء والأمهات مستخدمون عاديون للأجهزة والانترنت فكيف نطالبهم بأن يصبحوا خبراء فيها؟ لا أحد يريد او يتوقع منهم أن يصبحوا خبراء، ولكن يجب عليهم الالمام بالحد الأدنى من المعرفة التي تخولهم للتعامل بكفاءة مع هذا العالم المتغير، يبدو الحديث مبهما؟ بعض الشيء ولكنه ضروري، لا بد من الاقرار ان معرفة الوالدين بالادوات اللازمة لتربية ابناءهم في عصر الانترنت هي ضرورة وليست ترفا.

لنعد صياغة الحديث أعلاه من منظور آخر، يحب الوالدان أطفالهم، لا عاطفة في هذا الكون تعادل محبة الأب أو الأم لطفلهم، يتعبون ويحرمون أنفسهم أحيانا في سبيل توفير حياة كريمة لأبناءهم، لكنهم يغفلون أيضا أن التربية وهي الجزء الأصعب في تنشئة الطفل تتطلب جهدا ووقتها وعزما، ولهذا لا بد لهم أن يكدحوا في سبيل معرفة ما تستلزمه التربية في عصرنا الحالي.

 

المشاكل والحلول:

بالطبع، لا يوجد حل سحري واحد لكل مشاكل تعرض الاطفال للمؤثرات على الانترنت، هناك مشاكل متعددة ولكل مشكلة حل مقترح، ولكن قبل أن نسرد هذا القائمة دعونا نتفق على أرضية ننطلق منها:

  • الحلول تختلف باختلاف النظام الذي يستخدمه طفلك، هل يستخدم جهاز لاب توب؟ جهاز من أبل بنظام iOS أم جهاز أندرويد؟
  • طفلك ليس سيئا، قد تجد محتوى غير لائق بجهازه أو في سجل التصفح، مشكلة الانترنت الكبرى ليست في البحث وانما في المحتوى الذي يتعرضون له بشكل جانبي، مثل الفيديوهات المقترحة او الاعلانات داخل التطبيقات.
  • الحديث في هذه التدوينة يتطرق للأطفال بين 1-9 سنوات، ما ورا ذلك تحدٍ جديد يكمن في معرفة الصبي أو الفتاة لحلول جانبية لتجاوز التقنين.

لنبدأ:

  1. مشاهدة فيديوهات غير لائقة او رسائل ذات ايحاءات منافية للعقيدة: لمثل هذه المشكلة استخدم تطبيق تيوبي، وبالمناسبة الفيديوهات التعليمية التي تشرح الالوان والاشكال والارقام والأحرف من اعظم المحتويات التي يمكن تقديمها لأطفالكم في سن مبكرة قبل الروضة، يلي ذلك في مرحلة الكلام المحتويات ذات اللغة العربية الفصحى مثل افتح يا سمسم.
  2. استخدام الجهاز لساعات طويلة: غالبا يبكي الطفل عند نزع الجهاز منه، استخدم تطبيق OurPact للتحكم بأجهزة أطفالي عن بعد، عند اغلاقها تختفي كافة التطبيقات من الجهاز ويصبح بلا فائدة فيرميه الطفل جانبا بشكل مباشر، كما يمكن استخدامه لتحديد وقت معين للاستخدام.
  3. تحميل تطبيقات بلا تحقق من مناسبتها: استخدم خاصية ScreenTime من أبل في اجهزتهم لحجب متجر التطبيقات، حجب متصفح الانترنت فلا يمكنهم الوصول أو تحميل أي تطبيق الا بعد مراجعتي له والتأكد من فائدته.
  4. تحميل تطبيقات على اللاب توب من متجر ويندوز: قمت بحذف المتجر وكافة التطبيقات المرافقة له باستخدام الأمر
    Get-AppxPackage -AllUsers | Remove-AppxPackage 
    للمزيد عن هذا الحل
  5. يستخدم الاطفال العاب في المتصفح على اللاب توب: قمت بتفعيل البروكسي باستخدام بروكسي محلي 127.0.0.1 واضافة المواقع اللازمة للدراسة عن بعد في قائمة السماح، للمزيد.
  6. ظهور اعلانات غير لائقة في التطبيقات المسموحة لهم: قمت باضافة VPN محلي يحجب كافة الاعلانات باستخدام هذه الأداة المجانية.
  7. يمكنك الاستعانة بحلول الشبكات مثل Google WiFi والتي تمكنك من تحديد ساعات استخدام محددة للانترنت لأجهزة محددة ومعرفة استهلاك ابناءك.
  8. الطفل ليس مهووسا بالانترنت، الطفل يكون مهووسا غالبا بالتنوع الذي تمنحه اياه شبكة الانترنت فأوجد له بدائل أخرى، الحلول الابتكارية مثل:

ختاما:

الهدف من هذه التدوينة ليس الاحاطة بكل شيء، الموضوع متشعب ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، هناك دائما خطوات أولى نحو الاستثمار (وقتا وجهدا ومالا) في تربية أبناءك ليكونوا كما تتمنى، كما أن تأسيس اللجنة الوطنية لتقنين المحتوى الأخلاقي جاء ليسد فراغا في هذه الجهة وأتمنى أن تنبثق عنها مبادرات بناءة نحو تحقيق الهدف الأسمى، رزقكم الله بر أطفالكم وبلّغكم فيهم ما تتمنون.